كنّا قد تحدّثنا سابقا ومن على هذا المنبر – ضفاف العاصي – عن ضرورة إنصاف ذواتنا ..أرواحنا ..قلوبنا ومحاولة إعادة ما فاتها مما تستحق من سكينة ونشوة ولذة مبتعدين بهما عما يشتتها ويشظيها وينهكها ويرميها جثة هامدة على حافة طريق نائي حين حرب .
حياة تضج بكل أسباب القهر والحرمان إلى حدّ الجنون والموت فأنى اتجهت ترى المنغصات وكأنها تتناسل وتتكاثر بالانشطار
ومن جهة أخرى ترى أن ثمة ما على هذه الأرض يمنحك الطاقة والتفاؤل ..الإصغاء لصوت الماء ..حقول الحنطة الممتدة تجاه الأزرق الأبدي ..تأمّل مفردات السماء وقراءة دفترها الثر بالباذخ
نعم يمكننا أن نمنح أنفسنا ما تستحق وهذا لا يحتاج إلا إلى القليل القليل من الرغبة والإرادة والإيمان بقدراتنا وما نملكه من طاقات تؤهلنا لأن نكون بحقّ أبناء الحياة
يمكننا أن نعمل على تخليص ذواتنا ..أرواحنا ..قلوبنا من ذاك الوحش القابع داخلنا ( الأنا ) والذي نجح في قيادتنا لا بل في جرنا تجاه دروب انتهت بنا وأوصلتنا إلى خراب العالم ودماره ..
( الأنا ) الطافحة بالأنانية المتورمة إلى درجة لا يمكن الحد من انتشارها بأي العقارات والتي لا مناص من استئصالها
الأنانية التي تخلّف الحقد والكراهية تجاه الآخر وتعيّش صاحبها بأوهام وأحلام تفسد عليه القادمات من الأيام وتجعله حبيس الذات المريضة
واقع يرفل بالحروب والمجازر وكوارث طبيعية وأوبئة قد تأتي على الأخضر واليابس في هذا الكوكب الأخضر الأزرق ..
وما يدعو للدهشة ..لا بل للجنون أن كل هذا الخراب الكوني لم يدفع إنسان اليوم إلى الانتصار لنصفه الخيّر المسالم المفطور على المحبة والسلام لا بل على العكس نجد أن وقوف الموت على أبواب بيوتنا ونوافذنا وإشهار سيفه على رقاب أطفالنا النائمين لم يردعنا أو يعيدنا إلى رشدنا وصوابنا .. لا بل على العكس زاد من جشعنا ومن تورم ( أنانا ) المريضة ..
نعم إمعان الإنسان في ضلاله وغيّه ونزوعه تجاه نصفه الحيواني ساهم إلى درجة كبيرة في فساد وإفساد الحياة فنرى التفكك المجتمعي والأسري وابتعاده عن مفردات المحبة والاحترام والجمال والكرم والكرامة والأخوة والصداقة والشرف والنزاهة والفروسية والأصالة والنبل و ..الخ من مفردات أصبحت مهددة بالانقراض
كم علينا أن ننقذ ما تبقى من إنسانيتنا وان ننتصر للنصف الملائكي الرحماني على حساب النصف المتوحش الشيطاني الحيواني الذي نما وكبر وتضخم إلى درجة لم يعد للنصف الأول الحيز الذي يمكنه من استمراره في الحياة ..؟؟!!
كم علينا أن نتهيأ لخوض حروب وصراعات داخلية ذاتية شديدة تحت شعار تطهير الأنا من أدران أنانيتها ؟؟!!
حروب تخوضها الذوات الخيّرة التي خبرت مفردات المقاومة عبر حروب أزلية مع ضدها نصفها المتوحش الشرس متحصنة بكل ما أوتيت من قوة ومناعة وحصانة جمالية معرفية إيمانية إنسانية
أمام ذواتنا مسؤوليات كبيرة لا تجاه نفسها وحسب بل تجاه الحياة ..تجاه أمنا الأرض وما عليها لاسيما ونحن أمام وباء ( الكورونا) يهدد بالقضاء على ما لم تقضي عليه الحروب الطاحنة
وباءٌ علّه يضع الإنسان على طريق الانتصار لإنسانيته ..للحياة
عباس حيروقة