على ضفاف العاصي
بعد مساء دمشقي مقصّب وموشّى بالياسمين وبالأقمار والذي حملت فيه شوارع دمشق أقدامنا المتعبة كهمومنا وآمالنا ..مشيت مطولاً مع الصديقين الشاعر منير خلف و العزيز سلام مراد شوارع بكت حالنا وشكت لنا علينا لأعود وألتقي صديقي وأخي الشاعر والإعلامي توفيق أحمد الذي كان وسيبقى يمشي ويمشي على دروب من بياض كثيف رقراق ..مشينا معا وأصغينا ملياً لعتاب كرمة لا تشيخ إلا أنها تخاف طعنة كرّام أو موات الغمام
في اليوم الثاني تابعت ذات الطقس على إيقاع ناعورة وفيض بوح حي الطوافرة وهو ينشد ما خطه أبو يزيد البسطامي حين مشاهدةٍ ورؤى ..
ولأن مساءات حماة ماتعة وهادئة..
حدثت صديقي وأخي الشاعر والباحث رضوان السح عن طقس درجت على ممارسته في مساءات المدن ( المشي ) وأبديت رغبتي في ذلك وكعادته بكل لطف ومحبة رافقني .
وليكتمل بناء القصيدة ما إن خرجنا من مقر فرع حماة لاتحاد الكتاب العرب حتى اتصلت بصديقنا الشاعر معاوية كوجان طالبا منه مرافقتنا وما إن وصلنا مدخل حديقة أم الحسن حتى كان ينتظرنا ..
مشينا ومشينا شوارع ضيقة بحجاراتها السوداء.. وحارات ببيوتاتها الحنون وحماماتها الأثرية العريقة كأن في بعضها دمشق.. حلب القديمة التي أعشق ..
ونحن نعيش دهشة اللوحة الربانية وإذ برجل ثمانيني يصافح الأستاذ رضوان قائلاُ : (عم قول مع مين بدي اشرب القهوة )
إنه الفنان المبدع مصطفى الراشد نجيبة ..وبعد التعارف دلفنا إلى مرسمه الذي يشكل بحد ذاته لوحة كبيرة ماتعة مدهشة تناثرت داخلها غير لوحة لتمنحنا ذاك الشعور بالامتلاء وبالغبطة ..مرسم في بناء قديم عتيق بسقف خشبي وجدران من حجارة تغطيها لوحات تنتمي إلى مدارس متعددة الانطباعية منها والتعبيرية والتكعيبية والتجريدية ..شرح لنا عن ماهية هذا المكان المكون من طبقتين وما بذل من جهود ليكون على ماهو عليه و بناء نقابة الفنانين و مراسم الفنانين التشكيلين
جلسنا أمام المرسم و القهوة التي صنعها لها طعم خاص بها وحدها ..
ناولنا الفنان مصطفى ألبوم الصور لنطلع على بعض ما شارك من معارض فردية وجماعية والتي كان قد أقامها داخل سورية وخارجها
حدثنا وبكثير من الحميمية والود عن تلك الأيام المليئة بالنشاط وبالخير وبالإبداع عن علاقاته وذكرياته مع كبار الفنانين ( فاتح المدرس – مصطفى الحلاج – طاهر البني )
وكان الأستاذ رضوان يستحضر معه تلك الأيام وقال إن الفنان مصطفى عرف أكثر ما عرف عنه ولعه في التجريب فرسم البورتريهات الواقعية واللوحات المنتمية إلى غير مدرسة وبكثير من الحيوية والألق والتمايز .
فنان طيب وديع ..عيناه تشعان نورا وهو يحدثنا عن حي الطوافرة قبل الحرب حين كان يغص بالسياح العرب والأجانب وكم كان هذا المرسم وبيته يمتلئان بالمعجبين وعشاق الفن الأصيل وكان للصديق الشاعر معاوية كوجان غير ذكرى معه إذ كان يعتمد عليه في الترجمة من وإلى اللغة الانكليزية
مصطفى الراشد نجيبة الذي درس في مركز سهيل الأحدب للفنون التشكيلية على يد كبار التشكيلين السوريين وفي مقدمتهم سهيل الأحدب ..
كانت جولة وسهرة في شارع يضم متحف قصر العظم ومراسم الفنانين التشكيلين وجمعية العاديات والحمامات الأثرية وصولاً إلى مقهى المأمورية وحديقة أم الحسن
مساء أضاف لي ما أضاف ..
وهي مناسبة أدعو من خلال هذا المنبر إلى ضرورة العمل على توثيق الحركة التشكيلية في محافظتنا والاهتمام أكثر بالفنانين لا سيما اعلاميا إذ لاثقافة تشكيلية لدينا ولسنا في وارد ذكر الأسباب.
عباس حيروقة