أ . د. إلياس خلف
عرفنا فخامة الوزير وسيادة اللواء محمد مفضي سيفو بوصفه رجلاً تبوأ العديد من المناصب القيادية العليا، فنذر نفسه لخدمة الوطن والتفاني في خدمته وخدمة الآخرين، ذلك لأنه كان يرى في مهامه العامة تكليفاً وليس تشريفاً.
بيد أننا سنلج، في هذه العجالة، إلى حياته الأدبية لتسليط الأضواء على روحه الرومانسية السامية المرامي والنبيلة الغايات، وخير سبيل إلى ثنايا ذاته الشاعرية التكوين يتجلى في قصيدة (حب ووفاء) التي تبدو أشبه بملحمة حب، إذ إنها تتبع سيرة حب من بدايتها السعيدة إلى نهايتها المحزنة، وتجدر الإشارة هنا إلى أن شاعرنا قد زيّن هذه الملحمة الشعرية بصور المحبين إيماناً منه بأن الصورة تعمل عملاً مهماً. اهتم في إيصال الرسالة المتوخاة إلى المتلقين، واتسمت هذه الصور بالسمو والرفعة، فحبهما نبيل وسامق، كما سنرى.
يسرد شاعرنا ،بعدسته الفنية، بدايات ذاك الحب الجميل ،فيقول :
رأت الفتاة على جدار متعب
صوراً لفلم مبهر العنوان
وقفت وعيناها تحلق في المدى
والروح والأنفاس في جيشان ….
لقد أثارت تلك الصور الدعائية الجدارية إعجاب تلك الفتاة، وشحذت رغبتها العارمة في حضور ذلك الفيلم، فقررت الذهاب إلى دار السينما لحضوره :
دخلت إلى دار السينما وفيها رغبة
جياشة علوية الهيجان ….
ومضت تراقب خطوة في خطوة
بطلاً يعيش منعّم الأردان …
وسرعان ما ينال إعجابها وحبها الكبيرين؛
والحسن فاق البدر في عليائه
وبه الشباب وصحة الأبدان
ملك الفؤاد وأعجبت بجماله
وبدوره المملوء كالسلطان .
أجل ، لقد ملأ حياتها ؛ فهو الحبيب الذي كانت تنتظره ليعيشا حياة حب صرف:
وبقت تطارد حاله بعيونها
والقلب منها ثائر الخفقان .
وتنامى هذا الحب في أعماقها، فغدا فارس أحلامها الوردية:
ولكم تمنت أن تكون بجنبه
وتعيش أيام الهوى بحنان
ومضت وعيناها لشاشة فلمها
علقت وتلك الروح في دوران …
لقد غدا ذاك الفتى شغلها الشاغل؛ لأنه صار حلمها الجميل الذي استولى على وجدانها :
وتصرمت أيامها وتقطعت
والشخص ذاك يدور في الوجدان.
غير أن ذاك الحلم لم يصرفها عن واجباتها الدراسية؛ لأنها تفوقت وتميزت بفضل جهودها العلمية؛ فهي انمازت بحصافتها وذكائها :
لتسود في عصر العلوم رفاقها
وتبهرهم في حومة الميدان …
ويؤكد شاعرنا أن الصبر مفتاحه الفرج،فحلم تلك الفتاة الذكية يتحقق حين تراه مدرساً يوقظ فيها أمانيها القديمة :
دخلت إلى فصل الدراسة مرة
في سير متئد ولا عجلان
وإذا بها تلقى الذي فيه التقت
في الفلم واقتربت بدون تواني …
وتتيقن أنه ذاك الحلم الذي طال انتظاره :
فإذا الذي بالأمس أيقظ حلمها
هو ذا تراه بعالم فتان ….
وعلى غرار تلك الفتاة التي لم تهمل واجباتها المدرسية البتة، يبدو ذاك الفتى معلماً وموجهاً / ومربياً يزيد في الإحسان ” .
إنه مثال الشمعة التي تحترق لينوّر النشء الجديد بعلمه ،/ ويزين الأيام بالتيجان .
وهذا يزيد إعجاب الفتاة الطالبة به؛ ” فهو يلقي الدروس برغبة وتفاني” .
وذو روح مرحة جذابة لأنه ” يشحذ بالطريف علومه. ”
ويتابع شاعرنا سرد سيرة هذا الحب الملحمي ،ويذكر أن تلك الفتاة المحبة تضع دراستها نصب عينيها، فالهوى لا يطغى على دراستها التي آلت إلا أن تكملها حتى نيل درجتها العلمية المتوخاة.
حتى إذا أنهت مراحل علمها
عقدا القران بمحكم التبيان.
وتكلل ذاك الزواج بسعادة منقطعة النظير :
وتزوجا ، فإذا السعادة حولهم
تبني الشواهد، والغصون دواني
وتذوقا شهد الهوى من بعد ما
ظنت أن الوعد ليس بدان
وبأن أمر الله ليس بقادم
وبأن ذاك الحلم كان ثواني
وتمثّل ذاك الزواج المثالي بذرية طيبة رقت ” بالصدق للأقران ” ،وعاش الزوجان الحبيبان سنداً لبعضهما البعض في السراء والضراء .
ويختتم شاعرنا قصيدته هذه بفاجعة الفراق الذي كتبه الموت على تلك الزوجة الاستثناء:
عاشا وقد غابت كما غاب الهنا
وبقي يعيش بلوعة الكتمان …
تشير عبارة ” بلوعة الكتمان ” إلى وفاء ذاك الزوج؛ لأنه لا يستطيع ولن يحاول تناسي لحظات السعادة التي قضاها في كنف الحياة الزوجية،وهنا تتجلى أهمية عنوان هذه الملحمة ” قصيدة حب ووفاء ” السيميائية، الذي يختزلها على نحو مميز .