على ضفاف العاصي صور ٌ… وصور؟!


مع خيوط الفجر الأولى وقبل أن تستيقظ الشمس من خدرها، معلنة ولادة نهار جديد، نراهم ينتظرون عند مداخل بيوتهم، أو عند مفارق الأزقة والشوارع السيارات التي تقلّهم إلى الحقول القريبة والبعيدة.. على ظهورهم ترتاح حقائب قماشيّة فيها قنينة ماء وسندويشة، وفي أحد اليدين منكوش تنتظره الأرض المزروعة بمختلف المحاصيل .. دخان، شوندر، جبّيسة، خضار مختلفة..على رؤوسهم ترتاح المناديل والطواقي التي تقيهم من حرّ الصيف وقرّ الشتاء.. رجال ونساء… شباب يافعين… صبايا طلاب مدارس يساعدون أهلهم في العطلة الصيفية ، يعملون بشكل يومي في الأرض في الصباح وفي العصر.. يعملون في الحفر والقطاف و… تجدهم بكامل طاقاتهم الإيجابية، وجوههم ترنو للمستقبل… على مدار العام يعملون بلا كلل ولا ملل، تربطهم بالأرض علاقة وثيقة منها يأخذون أجرهم، ليطعموا أسرهم ويؤمنوا مصروفهم لشراء حاجياتهم من كدهم وتعبهم..
الصورة الثانية… في الريف أو المدينة يفترشون بعضاً من أرصفة المدينة أو الشارع العام رجالاً ونساء يعرضون أرزاقهم التي تعبوا فيها… خضار.. فواكه.. زيت.. عصير رمان… عصير حصرم.. بيض.. مربى البندورة.. وغيرها من منتجات وبأسعار مناسبة أقل من الأسواق الأخرى.. يعملون يومياً لتأمين لقمة عيشهم بالحلال وتراهم بوجوهٍ مبتسمة وتكتمل فرحتهم ببيع ما استقدموه من القرية كل صباح..
هي صور إيجابية مشرقة لأناس يستحقون كل التقدير والاحترام بعيداً عن النق واليأس والشكوى التي لا تنتهي..
في المقابل ثمّة صور مؤلمة، سلبية، تحز في النفس، فيها من الأسى الشيء الكثير، إرتضى أصحابها أن يكونوا عالة على أنفسهم وأسرهم ومجتمعهم، فيلجأ هؤلاء إلى التّسول واستجداء الناس، واستدرار عطفهم ليقدموا لهم بعضاً من المال، متذرعين بالمرض أو إجراء عمل جراحي أو… مع أن بنيتهم الجسدية قوية، ويستطيعون العمل في أي مجال، عمل منتج يؤمنون من خلاله لقمة عيشهم بعيداً عن نظرات الاستهجان والمواقف المحرجة التي يضعون أنفسهم بها..
من تلك الصور المؤسفة رجل يستلقي على الرصيف وبجانبه أولاده الصغار بثياب رثة متسخة، يستجر عطف وشفقة الناس ليضعوا له بعض النقود..؟!
كان ممكن لهذا الرجل أن يفتح بسطة ويبيع ويشتري ويؤمن حاجياته ويحفظ لهؤلاء الأطفال طفولتهم البريئة ويمكن أن يساعدوه في عمله.
بعض من الرجال والنساء يجوبون القرى يستعطون بحجة المرض، أو إجراء عمل جراحي أو اليتم، أو… بالرغم من مقدرتهم على العمل، ويمكن للمحتاجين فعلياً اللجوء إلى الجمعيات الخيرية والمؤسسات الأهلية والتي تقوم بمساعدة أمثال هؤلاء وتقدم لهم العون والمساعدة..
صور إيجابية مضيئة يذخر بها مجتمعنا بحاجة إلى تسليط الضوء عليها لتكون مثالاً للعمل الشريف الذي تتسع أبوابه وتكثر مجالاته…
وصور سلبية لا تشكل ظاهرة، لكنها بحاجة إلى معالجة بالتوجيه والتوعية وتأمين مصادر دخل لهولاء من خلال تأمين فرص عمل مناسبة، وهذا بكل تأكيد يعزز من متانة وتماسك المجتمع والذي نريده مجتمعاً سليماً معافى يضجّ بالحيوية والبركة والحياة.
*حبيب الإبراهيم

المزيد...
آخر الأخبار