تشرين ُ… أبجديّة الانتصار

على ضفاف العاصي

في السادس من تشرين الأول عام ١٩٧٣ كان للنهار وجه ٌ آخر غير ً اعتيادي، حيث التقت الإرادة والبسالة والبطولة لتتوج تشرين عرساً وطنياً، عربياً بإمتياز، كان عنوانه تحرير الإرادة والثقة بالنفس و استعادة الكرامة.
بالرغم من صغر سني عند قيام حرب تشرين، حيث كنت ُ في العاشرة من عمري، لكننا كنّا نتحلق مع والدي وأخوتي الصغار حول الراديو وسيلة اتصالنا الوحيدة مع العالم آنذاك، نتابع وبزهو بلاغات الناطق العسكري وهو يبين مجريات المعركة وخسائر العدو الباهظة بالعدة والعتاد والجنود…
كانت فرحتنا لا توصف عندما تقطع الإذاعة، إذاعة دمشق برامجها الاعتيادية لنسمع :صرح ناطق ٌ عسكري بما يلي.. وتتوالى الأخبار المفرحة ونكاد نطير بلا أجنحة ونحن نصفق لانتصارات الجيش ليتلوها أغنية فيروز التي تحيّ الجيش وهم يسطّرون البطولات في الجولان ومختلف جبهات القتال.. هي الأقدام المتجذرة في الأرض كما سنديان بلادي تكتب كل يوم حكاية الانتصار..
(خبطة قدمكن عالأرض هدارة
إنتوا الأحبا وإلكن الصدارة
خبطة قدمكن عالأرض مسموعة
خطوة العز وجبهة المرفوعة
ويا حلوة اللي عالحلى عم توعى
عنقك العقد وإيدك الإسوارة)
كانت حرب تشرين بوابة العبور إلى ذرا المجد والكبرياء، حيث حررت الإرادة وحررت الأرض بالبطولة والتضحيات ودماء الشهداء الطاهرة التي روت ثرى الوطن وتحوّل الحلم إلى حقيقة ناصعة كالشمس.
لم تكن حرب تشرين التحريرية حرباً عادية، تقليدية، بل كانت حرباً ارتبطت بذاكرة الشعب السوري خصوصاً والعربي عموماً بالكرامة والشرف، وحطّمت إلى غير رجعة (إسطورة الجيش الصهيوني الذي لا يُقهر!! )… ثم توالت الانتصارات بعد حرب تشرين وحرب الاستنزاف، وتوّجت  بتحرير القنيطرة ورفع علم الوطن في سمائها من قبل القائد المؤسس حافظ الأسد في السادس والعشرين من حزيران عام ١٩٧٤ وعودتها إلى السيادة الوطنيّة.
واليوم نعيش ألق تشرين، وروح تشرين، وانتصار تشرين من خلال بطولات المقاومة الوطنيّة في فلسطين وجنوب لبنان والجولان، حيث يكتب المقاومون الأبطال ببطولاتهم وتضحياتهم سفر الخلود وأبجدية الانتصار بالدماء الذكية الطاهرة، فالأرض المغتصبة لا تعود إلا بمقاومة المحتل بكل السبل، وتقديم التضحيات حتى ترتسم فرحة النصر على وجوه الأطفال وهم يعدون العدّة لغدٍ أجمل يعمُ فيه الخير والسلام.
المجد والخلود لشهداء تشرين وشهداء الوطن الأبرار الذين كانوا في المقدمة وأينعت دماءهم رياحيناً تعطر أديم الأرض الطاهرة.
وسيبقى تشرين وعلى مر الزمن حكاية مجد وأبجدية انتصار صنعها الرجال الشرفاء وعززوا قيمها في نفوس الأجيال التي كانت وستبقى تنهل من روح تشرين معاني البطولة والتضحية والفداء.

 

حبيب الإبراهيم

المزيد...
آخر الأخبار