كنا صغاراً على مقاعد الصف في المدرسة نجلس مكتوفي الأيدي والمعلم يشرح الدرس , وكان المعلم أو الأم و الأب و بإشارة من اصبع السبابة على الشفاه المطبقة نفهم أن نسكت ونبقى صامتين , وتبقى تلك الإشارة محفورة بالذاكرة مثل ثقافة تعلمناها فكانت خير فائدة لنا في الحياة وخاصة عند تجاذب الحديث مع الآخرين فهناك فترات علينا فيها أن نصمت لنسمع الأخر , فالصمت يكون أحياناً درساً مفيداً لتعليم بعض البشر أدب الحوار, وسر من أسرار الحياة يفيدنا حتى لا يخسر أحدنا الآخر.
ذلك أنه تبرز ضرورة الصمت مع اختلاف الزمن وأخلاق البشرحيث أصبح الحوار في وقتنا الحالي يحمل مُسمى الجدال، وأصبح معظمنا يحارب من أجل إثبات وجهة نظره وينظر لمن له وجهة نظر مختلفة عنه على أنه عدو وليس مرغوبًا في وجوده .
والإنسان كائن اجتماعي، يرغب دائماً بالكلام مع غيره من الناس، ويحبّ أن يبوح بما لديه من أخبار وكلام، لكن كثيراً من الأشخاص لا يعرفون آداب الحديث، ولا يعرفون كيف يبدؤون بالكلام مع غيرهم، كما أنهم لا يتقنون فتح النقاشات ولا انهائها، وهذا يعتبر قصوراً في الشخصية، لأن الشخص الذي يتقن آداب الحديث ويعرف كيف يتكلم والوقت المناسب للكلام، يستطيع أن يستحوذ على عقول الآخرين وقلوبهم، لهذا فإن الإحاطة بآداب الحديث تعتبر من الضروريات وليست مجرد شيءٍ يمكن تعلمه أو تركه.
وكم نلحظ في حواراتنا من غضب المتحاورين ونسمع ألفاظاً سيئة وبذيئة يتراشقون بها ورفع صوت ومواقف تزمت وتشبث بالرأي وعدم الاعتراف بالخطأ ، علماً أن هناك مجموعة من الآداب والضوابط والخصائص التي يجب أن تتوفر أثناء الحوار من قبل جميع الأطراف المشاركين فيه؛ وذلك حتى يتم تحقيق الهدف الرئيسي من الحوار وبالتالي لا يتحول هذا الحوار والحديث إلى جدال أو مراء أو كلام بلا فائدة.
ومن أهم آداب الحديث ألا يتكلم الشخص بالقصص غير المناسبة للموقف التي تجلب التشاؤم والسوء للآخرين، خصوصاً إذا كان الحديث في حضرة شخصٍ مريض أو غريب ، بل يجب أن يكون الحديث في المواضيع التي تتحدث في الخير والتفاؤل والإقبال على الحياة، كما يجب أن لا يقاطع الشخص غيره أثناء حديثه، وأن يُنصت له حتى يكمل ما يريد قوله كاملاً، وإن كان ولا بدّ من مقاطعته لسببٍ ما، فعليه أن يستأذن منه قبل أن يقاطعه.
وأما الصمت فهو يبرز كقيمة عليا بحيث أنه فرصة رائعة للتأمل والتفكير, والصامت وهو في صمته يبدو بمثابة الحليم والحكيم واللبيب , وفي مظهره يمثل دليلا على احترام ما قاله المتحدث . وقد قيل أن للصّمت فوائد وفضائل عديدة وهو من أفضل العادات والعبادات وقد ينوب الصمت عن الكلام أحياناً . والصمت ثقافة وأدب كما الإنصات والاستماع. وقد قيل أن الصمت يمنحك طاقة قوية للتفكير بعمق في كل ما يحصل حولك والتركيز بعقلانية على إجابتك، فيجعلك تسيطر على من هو أمامك بل وتجعله حائراً في تفسيرها من خلال نظرات محملة بمعان غير منطوقة،.وأحياناً فإن الصمت المصحوب ببعض الحركات والإيماءات ُيرغم مَن أمامك على البوح بما في داخله فيقول أكثر مما يريد فعلًا، والصمت هنا يولد لدى الآخرين شعورًا بالغيظ الشديد لأنهم يعتبرون صمتك هجومًا مستترًا، فتكون أنت الأقوى من دون كلام ولا تعب، فالصمت في المواقف الصعبة يولد الاحترام، بعكس الصراع والجدل الذي يولد التنافر والحقد. وقد قال بعض الحكماء إن الصمت فن لا يتقنه الكثيرون، ولكن يتقنه من يفهم لغته، فإذا تكلم الإنسان بالكلمة ملكته وإذا لم يتكلم بها ملكها.
أخيراً : إن الإنسان المحزون والمهموم قد يحتاج للكلام في أشد الأوقات حتى لا تتمزق رأسه بضجيج يسكن دواخله ويوصله لدرجة من الغليان النفسي، فلا من مانع هنا لتعبر عن آلامك وتزيل عنها غطاء الكتمان ولكن نصيحة أفصح بها مع نفسك ولوحدك، وإن كان لابد مع الأصدقاء فلتعلم أن الأصدقاء يحسبون بصدقهم وليس بكثرتهم . والأفضل أن تصمت والمثل العامي يقول : « خليها بالقلب تجرح ولا تطلع بين الناس تفضح «
محمد مخلص حمشو