يخيل إلي وأنا أقرأ لبعض كتاب القصة أن أصحابها ظنوا هذا الفن سهلاً ، خالياً من القيود والقواعد ، وباستطاعتهم أن يصبحوا كتاباً ما داموا يحسنون رصف الكلمات .
وقد يفشل بعضهم في كتابة الشعر فيلجأ إلى كتابة القصة فلعلّه يحقق شيئاً في عالم الكلمة ، فكما أن الرجز يمتطيه أي شاعر ، كذلك القصة ربما كانت لديهم ( حمار النثر )مثلما كان بحر الرجز عند الشعراء ( حمار الشعر ) تماماً ، فلا ضير عليهم أن يسلكوا هذا الطريق المعبد ليصلوا إلى المجد الأدبي ، أو الشهرة التي أعمت قلوب الكثيرين في هذا العصر .
القصة فن جميل هادف ، لأنه يصور قضايا المجتمع بقالب فني له قواعده وأصوله أن على صعيد الحدث أو الشخصيات أو الظروف والملابسات التي تضطرب فيها تلك الأحداث والشخوص أو الخصائص اللفظية والوسائل التعبيرية .
فليس هذا الفن إذاً تام الحرية ، بل هو فن يطوي في داخله غير قليل من القيود ، فضلاً عن الموهبة ، والثقافة العميقة ، والنضج في فهم الواقع ومشكلاته ، والتعمق في الحياة الإنسانية ، ومأساة الظلم الإنساني .
إن مادة القصة هي المجتمع وواقعه غير أنها تنتظر القاص البارع كي يصوغها في صورة نابضة بالحياة ، والقصاصون كثيرون ولكن الذي يخلد منهم هو الذي يستطيع أن يتغلغل في عمق أعماق النفس الإنسانية ، وينفذ إلى كيانها وما فيه من مشكلات وأزمات يعاني منها .
أما أولئك الذين لايملكون موهبة القصة ، وقواعدها وفنها ، والثقافة اللازمة لها فإنهم يقفون على السطح من المواقف والقضايا الاجتماعية ، والمشكلات الإنسانية .
القصة من أروع أنواع الأدب ، ومعنى ذلك أن غرضها ليس التسلية والمتعة الزائلة ، وإنما الوصول من خلال الوعي دب
أدأ الكامل بالمجتمع إلى الحقائق الإنسانية ، بل إلى جذور هذه الحقائق ودقائقها ومكنوناتها .
وإن اعتقاد بعضهم بأن القصة فن سهل أو هو حكاية مسرودة ، جعل قصصاً ضعيفة كثيرة تسقط في مجالها ، دون أن يكتب لها الرقي أو البقاء.
إن الكتابة الحقيقية لايمكن أن تبلى حروفها ، وإنما هي كالدرر التي يزيدها الزمن بريقاً ولمعاناً ، والكتابة المزيفة لايعدو أثرها أثر الشهاب الذي يبرق ثم لايلبث أن يضمحل ، أو الزبد الذي سرعان ما يذهب جفاء ، ولايمكث في الأرض .
د. موفق السراج