الله (يبعت) الخير!

كلما فتحت السماء أبوابها وغمرتنا بفضلها وخيراتها، وجادت علينا بأمطارها وثلوجها. ازددنا تفاؤلاً بمواسمنا القادمة، وحلمنا بأسواق وبضائع ومنتجات تتدنى أسعارها، ويتراجع غلاؤها، وتصبح في متناول كل مواطن، بغضّ النظر عن كونه غنياً أم فقيراً.
ولكن مايحدث على أرض الواقع يجافي الأحلام الوردية التي تراودنا، فالأمطار تزداد، والأسعار مع الأسف تزداد، وأثمان اللحوم بأنواعها والدواجن بأصنافها، والألبان بمشتقاتها.
والحبوب السليمة والمجروشة، والفواكه الفجّة والطرية، وكل ماينتمي إلى اللون الأخضر ، بل كل ماله دور في دفع غائلة الجوع عنا.. نراها في اطراد مستمر وارتفاع مفزع.. ولولا بقية من إيمان وفضل من حياء، لقلنا كما قال الشاعر أبو فراس الحمداني:
معللتي بالوصل والموت دونه إذا بتّ ظمآناً فلا نزل القطر
أو دعونا لا أرسل الله خيراً، بدلاً من أن نقول: اللهم اسقنا الغيث، وشتّان بين الدعوتين! ومعاذ الله أن نفعل ذلك.
ولكن لماذا نُدفع إلى هذا الشعور، لماذا نُجبر على مثل هذه المواقف؟ وقد اعتدنا، واعتاد آباؤنا وأجدادنا من قبل، أن يكون موسم الخير، هو خيرٌ للجميع، هو الموسم الذي ترتسم فيه الابتسامة على الشفاه، هو الموسم الذي تهيمن فيه السعادة على القلوب، هو الموسم الذي يمحو شظف العيش، ويخفف ضغط الحياة، ويزيح وطأة التكاليف عن كاهل رب الأسرة!
هل جشع التجّار هو الذي يمنعنا من أن نتذوق أطايب موسمنا؟.
وأن نلتف حول مائدة عامرة واحدة أصنافها مدعوّ إليها الجميع.. أم جشع المزارعين هو السبب، أم جشع الباعة كباراً وصغاراً هو المسؤول عن ذلك؟!
الربيع يبتسم لنا، يفتح ذراعيه ليضمنا جميعاً بين أحضانه، براعمه تتفتح، أزهاره تتألق، أعشابه تحوّل الأرض بساطاً أخضر له أول وليس له آخر، نسماته العليلة تداعب وجوهنا، وتدغدغ كل جزء من أجسامنا، ريشته السحرية ترسم لوحات فنية آسرة، ألوانها الزاهية لا أحلى ولا أجمل والدعوة التي يوجهها إلينا جميعاً، هي أن نتجنّب تشويه لمساته الناعمة، ونبتعد عن إفساد مايسعى إلى تقديمه لنا ككل، فلنستجب إلى هذه الدعوة، ولنحاول أن نكون رحماء في ما بيننا، لنحاول أن نكون شركاء في الاستمتاع بعطاياه، لنحاول ألايطغى أحدنا على الآخر، وألايحتكر أحدنا الآخر، لنحاول أن يقدّر أحدنا وضع الآخر، أن يحسب له ألف حساب، أن يعتبر نفسه أخاً له، فالناس (لبعضها) كما يقولون، فكيف إذا كانوا أبناء بلد واحد، أو وطن واحد؟
ولنعد إلى ماكنا عليه، في قديم الزمان، وسالف العصر والأوان. حين كنا متماسكين، متراصين، متكاتفين، الجار يسأل عن جاره، والقريب يستفسر عن أحوال قريبه، والغني يبحث عن فقير يدعمه ويمد له يد العون!

د . موفق أبو طوق

المزيد...
آخر الأخبار