إن قارئ الروائي العالمي باولو كويلو يدرك كم يملك من قدرة عالية على نقل المتلقي من بيته ..مكان عمله ..جامعته ..إلى الفضاءات الزمكانية الممتدة بين يديه ..يمسكهم من طرف ثوبهم ..يدخلهم إلى عالمه الطافح بالإبداع ..بالفن ..بالجمال.
من الممكن أن نتناول في عجالة تلك الحالات التي عكست حيويته الروائية من خلال خياله الباذخ الخصب في عمله.
( الإحدى عشرة دقيقة)
(كويلو ) المثقف بثقافة حاول أن يبسطها أمام المتلقي ولكن بلغة شيقة فيها من القوة التخيلية كونه صاحب عقل فعال ..
ولما كان للخيال الذي اعتبره (كانط) أجل قوى الإنسان ,من أهمية في خلق الصورة ,والصورة هنا أيضا كما يراها الجرجاني بأنها وسائل نقل الفكرة والعاطفة معاً إلى القارئ عن طريق الخيال يمكننا القول بأن الخيال عند كويلو نشط وحيوي ويقود إلى الحلم الماتع الجميل عن طريق نسج مجموعة من الصور والتي شكلت أيقونات مذهلة علقها بجدار أو على جدار ذاكرة القارئ ..
صور كويلو في عمله هذا فيها ما فيها من الشعرية والتي مهما اجتهدنا واجتهد غيرنا من قبل للوقوف على إيجاد تعريف جامع مانع للشعر أو الشعرية فإننا نقف عاجزين عن ذلك وان أي تعريف للشعر هو تقزيم وتحجيم له فالشعر أكبر من كل التعريفات والمصطلحات ولكن سأورد قولا أعتبره من أجمل ما قيل في الشعر كتعريف وهو لابن سينا في كتابه
(النجاة )لأدلف من جديد إلى العمل الروائي متحدثا عن حيوية الصورة الشعرية فيه .فيقول ابن سينا : الشعر هو كلام متخيل مؤلف من أقوال موزونة ومتساوية وعند العرب مقفاة ومعنى كونها موزونة أن يكون لها عدد إيقاعي ..ويضيف ابن سينا والمتخيل هو الكلام الذي تزعن له النفس فتنبسط عن أمور وتنقبض عن أمور من غير رؤية وفكر واختيار وبالجملة تنفعل له انفعالاً نفسانياً غير فكري سواء كان القول مصدقا به أو غير مصدّق ..ويرى في موضع آخر أن التخيل إذعان والتصديق إذعان لكن التخيل إذعان للتعجب والالتذاذ للتعجب والالتذاذ بنفس القول والتصديق لإذعان لقبول أن الشيء على ما قيل فيه .جمل وعبارات وأفكار سأوردها هنا من نسيج النص لأدلل على شعريته الممزوجة بالفكر التأملي الفلسفي متجاوزين فقط الوزن والقافية من تعبير ابن سينا فيقول كويلو :
– الزمن لا يغير الإنسان , ولا الحكمة تغيره أيضا الشيء الوحيد الذي يدفع كائنا للتغيّر هو الحب ص54
– الشرف , الكرامة , احترام النفس , عند التفكير فيها جيدا يتضح لي أنه لم يكن يوما لدي أي من هذه الأشياء الثلاثة ص63
– كانت غالبية المومسات مؤمنات يترددن إلى أماكن عبادتهن يحضرن القداس يمارسن صلواتهن , ولهن مواعيد مع الله ص79
– الشعور المدمر هو الإحساس بأنك لا تعني شيئا لأحد على الأرض ص87
– غاية الكائن البشري هي فهم الحب المطلق .الحب ليس في الآخر بل فينا نحن من نوقظه .لكننا نحتاج إلى الآخر من اجل هذه اليقظة . لا يكون للكون معنى إلا عندما يكون لدينا من نشاركه انفعالاتنا .ص115
– داخل روحي فتاة جائعة للحنان ص122
– الانتظار هو الأصعب وأريد الاعتياد عليه أن اعرف أنك معي عندما لا تكون بقربي ص130
– اللقاءات الأكثر أهمية تكون الأرواح قد أعدّتها قبل أن ترى الأجساد بعضها بعضا ص135
– ليس ضرورياً للإنسان أن يعرف شياطينه لكي يلقى الله ص145
– ليست الرغبة ما ترى بل ما تتخيل ص154
– عندما لم يعد لدي ما أخسره حصلت على كل شيء . عندما كففت عن أن أكون ما أنا , وجدت نفسي . عندما عرفت الإذلال والخضوع التام تحررت ص182
– تذكرت النبيذ الذي شرباه ببطء في أول أمسية..وكيف كان هذا المشروب يفتح لها آفاقا ويجعلها أكثر تحررا وقربا من الحياة . تريد أن تشرب هذا الرجل أيضا عندها ستنسى إلى الأبد النبيذ الرديء الذي يجرع دفعة واحدة ص202
الروائي في عمله هذا فتح آفاقاً عديدة أمام المتلقي آفاقا من الحلم الماتع , آفاقاً من التخييل ,من النشوة ..من التأمل ..
عباس حيروقة