تداعيات

دخلت منزلي وقصدت غرفتي بعد أن بدلت ملابسي وجلست على أريكة ركنت في الزاوية ،رفعت رأسي لأجد انعكاس صورتي في مرآة كنت قد ثبتّها على الحائط ، وكانت تعكس ستارة النافذة من خلفي ، وكان لونها كحليّاً. تداعت الصور في مخيلتي وأول ما وصل ، صورة طلاب المدارس ، حيث كان هذا النهار هو أول أيام العام الدراسي ، وكان التلاميذ يمشون أفواجاً أفواجاً ،ذ ويزقزقون كرفّ عصافير استفاقت للتو وكان معظمهم يرتدي الصدرية الزرقاء .
تتالت الصور حتى وصلت إلى أيام لنا فيها في مثل عمرهم ، وكان المشهد مطابقاً ، ومن بعدها أتت صور باهتة ، كيف كان والدي رحمه الله يأخذنا إلى مكتبة الراحل حسن القطريب ، ويشتري لنا كل مستلزمات عامنا الدراسي من دفاتر وأقلام وبرايات ومحايات وعلب هندسة صينية الصنع .
وكانت قسمته لنا عادلة حينها .
وكيف كنا نتعارك في باحة المدرسة وكيف كانت تتسخ ملابسنا ، وتلك الكمية من التوبيخ التي كانت تنهال علينا من والدتنا .
وكيف كنا نخرج للعب في الحي ، وما كان يترتب عليه من جروح وقروح في أطرافنا ، ورغم الألم كنا نضحك لأننا كنا مسرورين .
وبينما كانت الصور تتداعى ، كانت صورتي في المرآة تتحول تدريجياً ، إلى أن اتخذت الشكل الذي كنت عليه آنذاك ، حيث كان شعري قصيراً ، لأن حلاقنا أبا وليد لم يكن يعرف غير تلك القصة ، وأنا في حالتي هذه أعادتني إلى وعيي بضع طرقات على الباب ، هممت بالوقوف ونظرت في المرآة بشيء من التمعن لأجد صورتي وقد عادت إلى شكلي الحالي مع هذا الكم من الشيب الذي غزى هامتي .
ابتسمت ابتسامة صفراء لصدمتي بعودتي لواقعي .
إذ كنت أمنّي النفس بأن تدوم تلك التداعيات ، وأن أبقى طفلاً كما كنت .

مراد داؤد

المزيد...
آخر الأخبار