لم يكن يوم الجلاء ذكرى عابرة
لم يكن يوم الجلاء محطة عادية في حياة سورية ..
لم يكن يوم الجلاء حدثاً مألوفاً .. ولا يوماً مشهوداً ومعروفاً ..
لكنه الصبح !!
لكنه الصبح الأغرّ للشعب العربي الأبي في سورية
لكنه الفجر المضيء لكل بيت .. لكل حارة ، لكل دسكرة وقرية ومدينة .
إنّه الحرية !! الحرية التي سطعت في كل قلب .
الحرية التي عمرت في كل ضمير..
الحرية التي سكنت في كل وجدان …
يوم الجلاء هو الفرحة الحقيقية … لنا … لكم … للأبناء والأحفاد
الحرية للأجيال التي نعمت بالاستقلال … ورأت رؤيا العين أكاليل الغار، ورفرفت في سماء العيون تباشير الأمل والحبّ والنصر والظفر على الأعداء الدخلاء !!
* * *
السابع عشر من نيسان نقطة مضيئة في تاريخ الأمة والبلاد ..
لقد مرّت السنون وذكرى الجلاء ماثلة في ذاكرة الشعب السوري ..
الذكرى حاضرة في وجدانه … حاضرة في ضميره ، حاضرة في حبّه وكرامته ونصره .
ربع قرن من الزمان وسورية تجابه الدخيل الغازي ..
ربع قرن ونحن نطأ الحرب ، ونخوض اللهب ، ونسبح في الدم ، وننشق البارود ، ونتخطى الجثث .. ونكتب ملحمة النصر والظفر والحرية ..
ثورات تلو الثورات ..
والشعب يعقد حكايات البطولة ..
الشعب يسطر في دفتر الثورة أروع المواقف وأغلى التضحيات ..
* * *
قصص البطولة ماثلة في الأذهان …
قصص المقاومة في كل بقعة من بقاع سورية الأبية ..
* * *
دخل ( غورو) دمشق… توجّه أول ما توجّه إلى قبر صلاح الدين ..
هزّت يده ( اللئيمة) ستائر القبر.. ونطق لسانه
بكل تشفّ وعنهجية :
-ها نحن عدنا يا صلاح الدين..
ها قد عادت الحروب الصليبية (!!!)
* * *
اهتزّت نفوس الرجال ..
نهضت الهمم الأصيلة ..
تنامى الإحساس العظيم بهول الموقف والمسؤولية ..
لم ينم أحد على ضيم ..
لم يستسلم رجل ولا امرأة ولا فتى أو فتاة ..
اشتعلت الثورة .. في كل مكان ..
لم تعرف ( فرنسة ) معنى الراحة والسكينة ..
كل حجر في سورية تحول إلى صمود وتحدٍّ و.. مقاومة
* * *
من يذكر تلك الأيام ؟!
من يذكر وقفة العزّ أمام صلف المحتلّ ؟!
من يذكر ملاحم البطولة والنضال ؟!
من يذكر سعيداً العاص ، وفوزي القاوقجي وحسن الخراط ؟!
من يذكر هنانو وصالح العلي ؟!
من يذكر سلطان الأطرش وأحمد مريود ؟!
من يذكر الفيلق المتقدّم من الأبطال ؟!
من يذكر الحكايات الجميلة التي اقتبس منها الكُتّاب زادهم ؟!
من يذكر المواقف الرائعة التي فاقت الخيال ؟
* * *
ذلك كلّه من أجل الحرية ..
و.. الحرية تؤخذ ولا تُعطى ..
الحرية لا تُنال إلاّ على جسر من الشهداء ..
* * *
في سورية تحت كل بلاطة شهيد..
في سورية تحت كل حجر مقاوم عنيد ..
وهذا الوطن بشهدائه ومقاوميه نال استقلاله ..
ولا شيء غير البذل والدم فداء للنصر والظفر و.. الحرية ..
* * *
وللحرية الحمراء بابٌ..
بكل يدٍ مضرّجة يُدقّ ..
وذاكرة الشعب السوري حافلة بالوقائع والأحداث والمواقف …
الذاكرة منسوجة بكلّ الروايات والحكايات المثيرة والمؤثرة ..
الذاكرة هي النضال .. الذاكرة هي الصمود .. الذاكرة هي الحب لهذا الوطن، وهذا يوم الجلاء, هذا عيد النصر والاستقلال والحرية.. بعد أن كتبنا بالدم الغمر الجلاء, وصنعنا الاستقلال.
***
من الجلاء نستلهم العبر..
من الجلاء نأخذ الدروس..
من الجلاء نخدم قضايانا المعاصرة ..
***
و… الجلاء رمز الإرادة ..
الجلاء رمز التضحية والفداء..
الجلاء حافل بأسماء الأبطال والشهداء..
الجلاء منه نهتدي إلى منارات النصر والعزة والكرامة .
الجلاء يعرفنا بأنه لا استسلام لغاصب.. لا استسلام لمحتل..
لا استسلام لمعتد أثيم..
***
بحجارتنا أوقفنا المدرعات الفرنسية!!
وبسلاحنا البسيط أخرسّنا مدافعه ورشاشاته,. بل أسقطنا طائراته!!!
***
لم تستطع فرنسة أن تحتل عقولنا وقلوبنا
لم تستطع فرنسة أن تشل أيدينا وسواعدنا.
لم تستطع فرنمسة أن تخمد ثورتنا..
لم يكن أمامها بعد ربع قرن إلا الرحيل !!
***
ليس يوم الجلاء ذكرى عابرة..
ليس يوم الجلاء محطة عادية..
الجلاء هو الدرس البليغ..
الجلاء هو النصر الباهر..
الجلاء هو الملحمة التي تردّدها الأجيال..
الجلاء هو الترنيمة الأولى تهفو لها القلوب..
الجلاء هو عيد النصر الكبير .. عيد الحرية..
ذكراه نُهديها إلى العالم..
والطريق إلى كل نصر لن يكون معبّداً بالورود والرياحين
بل بالبذل والدم والتصميم والإرادة والصبر والفداء.
عشت ياسورية ..
عشت حرة أبية ..
وعاش شعبك الظافر دائماً حراً أبيّاً..
رغم كلّ المحن..
و.. لتخفق راية الحرية فوق وطننا الحبيب .. دائماً .. دائماً .. دائماً.
نزار نجار