أسفي عليكم !..

ذات صباح ، استيقظ أهل البيت باكراً ، ليفاجؤوا بأن بعض (بلاليع ) البيت قد (سطمت) .. وأن المياه القذرة تتدفق لتملأ أرض الحمام وباحةالمطبخ ، فسارعت إلى الاتصال هاتفياً بأحد عمال التمديدات الصحية ، وطلبت منه المجيء على جناح السرعة ، لإنقاذي وأهلي مما أنا فيه ، فأخبرني بأن بيته بعيد عن بيتي كثيراً ، وهو بحاجة إلى واسطة نقل تقله إليّ ، فطلبت منه أن ينتظرني في مكان حددته له ، ثم انطلقت بسيارتي المتواضعة إلى ذلك المكان ، وعندما التقيته ، فتحت له الباب بنفسي وأنا في غاية الانشراح والسرور ، ثم عدت به إلى بيتي وكأنني أعود بكنز ثمين !!..
وفي البيت ، وبعد أن شاهد الحالة المزرية ، شمر عن ساعد الجد والنشاط ، وبدأ ممارسة المهام الموكولة إليه ، وخلال نصف ساعة تقريباً ، انتهى من ذلك العمل الإبداعي ، وعادت المياه إلى مجاريها ، عفواً ، أقصد : عادت المياه إلى (بلاليعها)!!..
وعندما طلبت منه ورقة الحساب ، طلب مني ( أجرة يد فقط ) مبلغاً قيمته آلاف من الليرات ، ليرة تنطح ليرة ، وعندما استغربت هذا المبلغ الكبير ، مقابل عمل لم يأخذ من وقته إلا القليل القليل .. قال بأنه قد راعاني كثيراً في الأجرة ، فالعادة هو يأخذ أكثر من ذلك !.. نقدته المبلغ وأنا أغص ، ثم طلبت منه ركوب سيارتي لأعيده من حيث أتيت به ..
بالمناسبة ، كنت في تلك الأيام .. أدرّس في الجامعة ، أدرّس في كلية طب الأسنان في حماة ، وقد فرّغت من وقتي يومين كاملين لأداء هذه المهنة النبيلة ، كل يوم دراسي من هذين اليومين ، يستغرق ست ساعات من التدريس الجامعي المتواصل ، وأجرة الساعة حسب تسعيرة وزارة التعليم العالي : مائتان وخمسون ليرة أي إن أجور الساعات الست ، التي أحتك فيها بالطلاب ، أجادلهم أحاورهم ، أقدم لهم المعلومة ، أشرف على أعمالهم ، أساعدهم في تخطي الأخطاء وتجاوز الصعوبات ، أعنّفهم أحياناً ، أشجعهم أحياناً … أجور هذه الساعات الست : ألف وخمسمئة ليرة فقط ، أي المبلغ نفسه الذي تقاضاه عامل التمديدات الصحية بعد عمل نصف ساعة !!.. علماً بأنني أذهب ماشياً وأعود ماشياً ، من دون أن يقوم أصحاب العلاقة بتأمين واسطة نقل لي ، كما أفعل أنا مع عامل التمديدات الصحية !!.
هذا هو وضع معلم في الجامعة ، وهذا هو وضع معلم في تسليك البلاليع !!.. وأنا بصراحة أحترم اليد العاملة التي يحصل صاحبها على لقمة عيشه بشرف وكرامة ، وأحترم أي عملٍ يدوي يعود على أي إنسان بقوت يومه ..
ولكنني مع ذلك .. أرثي لحالِ حملة الشهادات الجامعية ، بخاصة في هذه الظروف الاستثنائية ، فمازال الكثيرون يعدون الشهادة العلمية ، أقرب وسيلة للعبور الى مستقبل باسم ، وحياة كريمة ، وعيش رغيد …

د . موفق أبو طوق 

المزيد...
آخر الأخبار