حين تمر في الطريق كل صباح، تطالعك وجوه متعددة متباينة, وجوه ضاحكة مستبشرة , وجوه كالحة مكتئبة وجوه حيادية, وجوه متطرفة وجوه طيبة, وجوه تحمل الأمل, وجوه تحمل السخط, جوه تعلن الحب، وجوه تشيع الكراهية, وجوه مهمومة محزونة, وجوه سعيدة طلقة, وجوه ترفع التفاؤل شعاراً, ووجوه ترفع البغض والتشاؤم عنواناًو أحاسيس شتى تتجاذبك وأنت تتأمل الناس, تحدق فيما حولك , أمامك , وراءك , هؤلاء جميعاً يتدفقون من الطرقات, الرئيسية والفرعية من السيارات , من الأزقة والحارات, الوجوه كلها مشدودة إلى عجلة الحياة, مستغرقة واعية, أو ضائعة غافلة, تحس أنها تدور في فلك واحد, ومدار واحد, أعمال الحياة, وزحمة الأيام, هموم ومشكلات , أفراح ومسرات, وهم يعبرون , لا يتوقفون , ومع ذلك كله, فأنت واحد منهم, أنت ضمن هذه اللوحة, نقطة منها , لون .. خط.. انحناء أو انكسار, أنت واحد من هذه الوجوه, واحد من أولئك أو هؤلاء, ربما تحمل وجهاً لايختلف عن وجوههم , قلبك يخفق معهم نبضاتك تواكب إيقاع نبضات قلوبهم, عيناك تتأملان فيما يتأملون تتطلعان إلى مايتطلعون, تتوقان إلى مايتوقون, تحلقان إلى مايحلقون, لك حلمك الجميل ولهم أحلامهم الجميلة, لك طموحك الوثاب, ولهم طموحاتهم الوثابة , لك أمانيك ورؤاك, ولهم أمانيهم ورؤاهم, ربما تلتقون أحلاماً وطموحاً وأماني ورؤى، وربما تختلفون وتتباعدون, وعجلة العمر تدور, والأيام تركض وتركض, والوجوه تزحم الدنيا, تتغير, تظهر وتحتفي, تتقهقر وتتقدم, تنسحب وتعود, تغيب وترجع, من الوجوه مايلعب لعبة الأقنعة, ومنها مالا يعرف الأقنعة من الوجوه مايبدل صوره في اليوم الواحد مائة مرة, ومنها من يبدل ألف مرة, الصورة والموقف والإحساس والرؤى والمشاعر لعبة الأقنعة لعبة مدهشة، وعلى الرغم من أن الله عز وجل أعطى لكل إنسان وجهاً لكن هناك من صنع لنفسه وجوهاً, وبدل أقنعة بأقنعة..
أقنعة للصباح ، أقنعة للمساء، أقنعة للعمل, أقنعة للبيت , أقنعة للأصدقاء, أقنعة للأهل, أقنعة للكبار, أقنعة للصغار, أقنعة للمديرين, أقنعة للموظفين, أقنعة للباعة، أقنعة للتجار, أقنعة للنساء, أقنعة للرجال, لعبة الأقنعة لعبة طريفة ومدهشة, لها خصوصيتها وامتيازها هناك من يتقنها ويبدع فيها, وهناك من لايعرف كيف يضع قناعاً واحداً.. فيبقى وجهه عارياً كما خلقه الله, والذين يتقنون لعبة الأقنعة ناجحون كثر ومتميزون أكثر وعصريون أكثر!!
وتتزاحم الوجوه, تتدفق كل يوم وتتدفق.. ربما تترك بصماتها هنا وهناك, لكنها في النهاية تضيع, وتزول لايبقى في الذاكرة الإنسانية إلا الوجوه المشرقة المضيئة . الوجوه النضرة , الحيية , العذبة , الشفافة التي لم تجرب لعبة الأقنعة, ولم تتقنها..
نزار نجار