هذا العام هو عام الذكرى المئويّة الثانية لولادة المنوّر الكبير المفكّر والأديب بطرس البستاني (1819- 1883).
كان البستاني واحداً من أعمدة النهضة القوميّة واللغويّة والأدبيّة, كما كان أحد كبار المثقّفين في عصره, فإضافة إلى تضلّعه في اللغة العربيّة كان يتقن اللغات اللاتينيّة والسريانيّة والإنكليزيّة والإيطاليّة, كما تبحّر في الفلسفة واللاهوت.
والبستاني أنموذج للمفكّر الفعّال, فقد وضع ثقافته في خدمة المجتمع وتطوّره, وكانت الكتب التي ألّفها كبيرة التأثير في بناء جيل وطنيّ عربيّ النزوع والتطلّع.
أسهم المعلّم بطرس البستانيّ مع عدد من مثقّفي عصره الكبار كالشيخ ناصيف اليازجي والحاج حسين بيهم وغيرهما في تأسيس الجمعيّات العلميّة والأدبيّة والسياسيّة وأهمّها الجمعيّة العلميّة السوريّة (1868) التي كان لها إسهام كبير في تنمية الشعور القوميّ وتعميق الوحدة الوطنيّة, ورأب الصدع الذي نتج عن أحداث عام 1860 المأساويّة.
وكان للصحيفة الشهيرة التي أسّسها البستاني عام 1860 وهي (نفير سورية) غايتان : ثقافيّة تنويريّة وقوميّة تحرّريّة. وتابع السعي إلى الغاية ذاتها في صحيفة (الجنان) التي أصدرها عام 1970.
دعا البستاني إلى تعليم المرأة, وله في ذلك مقالات وخطب كثيرة.
من أهمّ آثاره معجم (محيط المحيط) وهو – خلافاً لمعجم (القاموس المحيط) – مبنيّ على الأخذ بأوائل الكلمات. وكتاب (بلوغ الأرب في نحو العرب), كما أصدر ستّة أجزاء من الكتاب الموسوعيّ (دائرة المعارف) وهو الكتاب الذي مات قبل إتمامه, والذي تابع ابنه سليم العمل فيه بعد وفاته فأصدر منه عدّة أجزاء. أسهم البستانيّ في تبسيط أساليب الكتابة وتطويع اللغة لمعطيات العصر وتخليص الكتابة من التعقيد والتكلّف.
يستحقّ هذا الأديب النهضويّ الكبير أن تحتفل المؤسّسات والأوساط الثقافيّة العربيّة بمئويّته الثانية.
عطية مسوح