اليويو .. وشاشة تجمع أطفالنا !.

تواصل الشاشات العربية هذه الأيام , عرض أفلام يابانية مدبلجة ,
تصور مجموعة من الفتيان والفتيات , وهي تمارس كل يوم بل كل ساعة لعبة ( اليويو ) , عبر حكايات مملّة , مطولة , متشابهة , لا تكاد تصل إلى نهاية , أو تستقر في موقف , أو تستريح عند محطة !.
ومصطلح ( يويو ياباني ) محفور في ذاكرتي , وهو يتردد دوماً في
مخيلتي , بعد أن حفظناه عن ظهر قلب ونحن تلاميذ في الصف الأول الابتدائي , أجل , فمنذ أكثر من خمسين سنة كانت حصة القراءة في هذا الصف موزعة على كتابين اثنين , الأول يخص الفصل الأول من العام الدراسي واسمه قراءة ( دادا ) , والثاني يخص الفصل الثاني من العام نفسه واسمه قراءة ( فولاذ ) .. وكانت الطريقة التربوية في تلك الأيام تعتمد على حفظ الحروف ثم تركيب الكلمة , بعكس الطريقة المتبعة في عصرنا هذا والتي تعتمد على التحليل اللفظي .. على كل حال , لكل طريقة أنصارها ومؤيدوها , وأنا وإن كنت أميل إلى الطريقة الأولى , غير أني لست في صدد مناقشة هذا الموضوع , لأن ما أريد قوله لا يتعلق إطلاقاً بهذه الإشكالية التربوية !.
( يويو ياباني ) هي واحدة من العبارات التي وردت في أحد الكتابين , وهي واردة من أجل معرفة الكيفية التي يأتي فيها حرف الياء مع بداية الكلمة متصلاً بحروف بعده , وهي هنا ( الواو , والألف ) , وهنالك عبارات أخرى تتعلق بحروف أخرى , أذكر منها : ( علم بلادي مرفوع ) ( وقعت ليلى فضحكت سلوى ) ( يا سوزان قولي عاش بابا ) ( قم يا فتحي عند الصبحِ ) .. وعبارات أخرى مازالت مستقرة في الذاكرة , على الرغم من مرور أكثر من نصف قرن على حفظها !!.
و ( يويو ياباني ) على ما يبدو , تؤكد ارتباط ( اليويو ) ببلد المنشأ أو الدولة صاحبة الفكرة , كانت لعبة بسيطة للغاية , لا تتعدى كتلة ثقيلة ملفولة بورق مزخرف , ومتصلة بخيط مطاطي رفيع يعلق بإحدى الأصابع , ويتيح رفعها وإنزالها بطريقة روتينية ترددية توازنية .. ليس إلا , ومن دون جهد , أو تفكير , أو تحليل !..
وأذكر أنني قرأت قصة مصورة في إحدى مجلات الأطفال التي كانت تصدر في تلك الآونة , وفيها أن بعض العلماء يبحثون عن رائد فضاء مستواه العقلي ضعيف , إذ كل الذين التقوهم كانوا رواداً أذكياء لهم هوايات مفيدة ونافعة , ولا يمكن لهم أن يمارسوها في الفضاء , أو داخل صاروخ .. واستطاعوا في النهاية أن يجدوا شخصاً متخلفاً له هواية تافهة ( حسب تعبيرهم تماماً ) , هي ( لعبة اليويو ) , ويمكن له أن يأخذها معه في رحلته الفضائية , وتتجاوب تجاوباً معقولاً مع الفراغ الذي سوف يعاني منه !.
وعلى الرغم من هذا الصيت السيئ الذي كان يحيط بلعبة اليويو , فإنها اليوم تعود إلينا , ولكن بشكلها المتطور , عبر المسلسلات التلفزيونية اليابانية , التي تجدد ذكرى هذه اللعبة البدائية , والتي تبقي أطفالنا ساعات مسمرين أمام شاشات عرضها , مسلسلات لا لون لها ولا طعم ولا رائحة : صراع مستمر , ومعارك متواصلة , وتحديات لا تنتهي , ومباريات لا تتوقف , وحوارات فارغة , وحوادث مفتعلة , وقيم مفقودة , وسلوكيات لا ندري من أين جاؤوا بها .
و ( اليويو ) هو الهدف الوحيد لأبطال المسلسل , هو الرياضة المتميزة التي لا يحيدون عنها , وهو الفراغ العقلي والذهني والحركي الذي لا يمكن أن يملأ , هو الإضاعة الحقيقية لأوقات أطفالنا وجهودهم وتفكيرهم الفطري !!! .
والذي يحز بالنفس أكثر أن أطفالنا يسعون إلى شراء ذلك ( اليويو ) بأسعار باهظة , لا تتوافق وجيوب الكثير من الآباء , ثم يملؤون الجو صراخاً مزعجاً وضجيجاً لا يحتمل وهم يتحدون بعضهم بعضاً , ويتنافسون حول أمور ليس لها قيمة , ويبرزون قدراتهم في قضايا لا تعود عليهم بأية فائدة , بعد أو وضعوا وراء ظهورهم كل الهوايات المفيدة التي تنمي ثقافتهم العامة , وتطور ذائقتهم الفنية , وترعى نموهم الحركي والفكري والسلوكي !!!.

د. موفق أبو طوق 

المزيد...
آخر الأخبار