يرتعش الصباح مهزوماً بين الأوراد, ويلتطي مرعوباً بين ظلال الأعشاب الطرية لهوفاً كعاشقة ملَّتْ مِن زمن انتظار المواعيد, فعادت خائبة خاسرة , من حرب لم تبدأ بعد أن تلملم بقايا الأسرى من الحنين, والجرحى من اللهاث الحارب! تنفر من عينيها الدموع , تتوهم أن المكان ـ الموعِدَ ـ يضج بالأمنيات ! تعالي… أين أنت أيتها النجمة العائدة, هاأنذا قادم إليك تربكني نبضات القلب, وتشويني أنفاس المواويل الصباحية!
إليك أعود.. حافياً من كل حَزَازات الأمس! أرسم في عينيك الدامعتين شكْلَ صلاتي وعذابي، تعالي يامطراً في نيسان يقبل هضاب الأرض ـ عطاشها ـ يوقظ نيام السنابل، ها.. هاجئت إليك كسرب يمام عاوده الدفء, وَجَنّتْ بقوادمه الفصول!
قرِّبي صوبي.. أدغدغ خديك بلهفة الحيران, وروعة أنسام اللحظات الربيعية، حاذري منعطفات الليالي العمياء الباردة! حيث القمر والنجوم والمجرات في إجازة طبيعية! وتلتقي أصابع العزاء, وتحتضن الهمسات متاعب الدروب الترابية ـ كل الدروب إليك حاصرها الوشاة, ونحن في دنيا المصير حيارى.
لاتقلقي هذا أوان السنونو, واحتضار اليباس, وارتحال الخريف, وصمت المواويل! في مدى صدرك يضحك الأقحوان ويرقص الجوري, وتختمر الأساطير , وتقرب المسافات, وتبرق الينابيع, وتثمر آهات الصبايا , مواسم لقيا ، وبيادر محبة , وسهول عطاء!
تعالي يارفيقة القهر والعذاب, تلك مؤونتنا وقت انتحاب الفصول , في خريف العمر, تترهب في شراييننا صافنات الفيافي, ويعتلي الموج صخور الشواطئ المُرْغَمَةِ!..
وتلوح أشرعة الغروب تعاتب جزر المحيطات, هذه الليلة عرس النجوم, ورقصة المجرات، وزغردة القمر, في عينيك تتأوه البراعم , وفي راحتيك يغفو .. طريد الرصاصات الطائشة؟!
من أنت ؟ أيتها المتسولة في مناحاتي الغافية بحذر بدائي على زند الأغنيات تعالي نزرع الدنيا جنوناً من العطاء، وفرحاً من الابتسامات ونجوماً من القبلات , وسياجاً من الزيزفون والأكاسيا والبيلسان, وحواراً من العناق, هاهي ذي قافلات الحضارة تستريح عند تخومك , من قلق الضجيج في عالم ملوث بالغبار الذري, والقنابل الجرثومية, هلمي يارفيقة المعاناة, نزرع الحبق والمنثور, لم يبق متسع من الوقت!.
فُكِّي عقدة الذنب, وحلِّي جديلتيك, تَزَنّري بالمو اويل , وحرِّفي الغايات وغادري محطة الدموع, وكوني أميرة في موكب القصائد , ولغة يفهمها العالم قاطبة , أنت براعم اللوز التي أزهرت في حقول قلبي, وناعورة أبدية النواح, ونيسان من السنابل وفراشة ماتت من جنون العاصفة, أنت الفرس الشقراء, والرصاصة الأولى في معركة الأمم, وسومر القاطن ضفاف الرافدين في زمن الجفاف والعطش الحضاري.
خضر عكاري