كانت تسمى : مدينة العاصي ، ولكن في هذه الأيام ( بخاصة بعد الانتهاء من مهرجان الربيع ، والعودة مجدداً إلى حجز مياه النهر ) لم يعد هناك نهر للعاصي، فقد تحول مجراه الجغرافي إلى حوض معدّ للقاذورات ، ولفيض المجارير ، وللتجمعات المائية الراكدة ..
وكانت تسمى : مدينة النواعير ، ولكن في هذه الأيام ، لم تعد هناك نواعير تدور، ولا إرذاذ ينعش الوجوه ، ولا أنغام تطرب السامعين ، فقد تحولت تلك الدوائر التاريخية إلى هياكل خشبية مشوهة ، هياكل خشبية جامدة .. تفتقد الحركة، وتفتقر النشاط والحيوية ، وتتوق إلى الجمال والبهاء و .. الموسيقا العذبة .
وكانت تسمى : مدينة الورود والرياحين ، ولكن في هذه الأيام ، لم يعد هناك عطر يفوح، ولاعبق يسري ، ولا أريج تبثه الورود والرياحين ، بل هناك رائحة كريهة ، رائحة تزكم الأنوف ، رائحة تنشرها المياه الآسنة ، والبقايا النتنة ، وأكوام القمامة الموزعة هنا وهناك ..
وكانت تسمى : مدينة الهدوء والراحة والأحلام ، ولكن في هذه الأيام ، لم يعد هناك هدوء ولا راحة ولا أحلام ، بل هناك كوابيس سوداء ، هناك ضجيج وضوضاء ، هناك أصوات زمامير ، وهدير سيارات ، هناك صخب أعراس وشطط حفلات ، تقام وسط المدينة ، وفي أحضان شوارعها وأحيائها وبيوتها السكنية ، وحتى ساعة متأخرة من الليل ..
وكانت تسمى : مدينة الالتزام والانضباط ومراعاة شعور الآخرين ، ولكن في هذه الأيام ، تراجعت هذه الصفات ، وتقهقرت تلك النعوت والسمات ، فهناك مقاه غير نظامية ، لاتلقي بالاً لحقوق الجيران ، ولاتعترف بما يحول دون العدوان على الحدائق والأملاك العامة ، وهناك أيضاً أكشاك فوضوية ، مبعثرة هنا وهناك ، من دون تخطيط أو تنظيم ، وهي مع الأسف الشديد ، تعرقل السير ، و تحجب الرؤية ، وتشوه المناظر ، وتجافي الذوق العام ..
وكانت تسمى : أم الفقير ، ولكن في هذه الأيام ، لم تعد هناك أسواق رحيمة ، ولا بضائع رخيصة ، ولا مواد غذائية تناسب الفقير ، وتلائم ذوي الدخل المحدود، وتعين ( أبا العيال ) على تحصيل قوت يومه ، فالغلاء الفاحش ضارب أطنابه ، وضيق ذات اليد مسيطر على الموقف ، والحرمان من الضروريات أمر يعاني منه معظم السكان ، وتشكو منه أغلب الشرائح الاجتماعية .. وترى الناس سكارى ، وماهم بسكارى ، ولكن ضغوط الحياة شديدة ، بل قاسية لاتطاق …
…………….
أجل .. البون شاسع ، والفرق كبير .. بين حماة الأمس ، وحماة اليوم …
فهل يمكن لمدينتنا الغالية حماة ، أن تعود إلى سابق عهدها ؟!
هل يمكن للمخلصين من أبنائها ، ومن ضيوفها ، ومن غربائها ، أن ينقذوها مما هي فيه، فينعشوا روحها ، ويجبروا خاطرها ، ويقيلوا عثراتها ، هل يمكن أن يعيدوا لوجهها ملامحه القديمة ، ولصيتها سمعته العطرة ، ولأوابدها قيمتها التاريخية ؟!
هل يمكن أن يعيدوا إلى الأذهان ، ماقاله الشاعر العراقي ( أحمد الصافي النجفي ) عن مدينة حماة ، حين زارها قبل عقود عديدة ، فسحره جمالها ، وبهرته نواعيرها ، وأسرته حدائقها وبساتينها :
هذي حماة مدينة سحرية وأنا امرؤ بجمالها مسحور
أنى التفت فجنة وخمائل أوأين سرت فأنهر وجسور
ياليت شعري ماأقول بوصفها وحماة شعر كلها وشعور
د . موفق أبو طوق