بيننا وبين العيد أيام قليلة, فمن المستحب أن نقول شيئاً في هذه الزاوية عن العيد, لما له من ذكريات عشناها صغاراً, وأمور عهدناها كباراً, وقبل الحديث عن ذلك نسأل لغتنا الجميلة أولاً عن معنى ( العيد) فيها , لنجدها تقول لنا: العيد هو ما اعتادك من هَمٍّ أو مرض أو حزن ونحو ذلك.
ثم سُمِّي بـ ( العيد) كل يوم يتجمهر فيه الناس ويجتمعون، وقيل : سُمِّي عيداً لأنه يعود كل سنة بفرح مُجدَّد.
وأقول : إن المعنى الثاني هو الشائع, والمراد عند الجميع، وفي مختلف الأديان من كلمة (العيد) التي تجمع على أعياد, وهو مأخوذ من الفعل (عاد).
ولعل بيتاً من الشعر العربي ذكر فيه ( العيد) لم يَلْقَ الذيوع والانتشار حتى اليوم كبيت المتنبي الذي افتتح به إحدى قصائده الشهيرة , وهو :
عيدٌ بأية حالٍ عُدْتَ ياعيدُ بما مضى أم بأمر فيه تجديد؟
وإنني أقول لشاعرنا العظيم ( مالىء الدنيا وشاغل الناس) : إن عيدنا الآن فيه الجديد والتجديد, وأعني بالجديد اقتراب انتصار الحق في سورية العظيمة على قوى البغي والباطل, بعد حرب ظالمة شنت عليها, وسنوات عجاف قاسية اكتوى بنارها الصغار والكبار على حد سواء, وسيطرد الغزاة المعتدون من كل شبر فيها, كما طرد الغزاة السابقون على مدار الزمن.. وسوف يعود الفرح لنا جميعاً من جديد على الرغم مما أصابنا من مصائب وأوجاع وآلام، منشدين مع الشاعر بثقة عظيمة, وتفاؤل كبير:
سأعيش رغم الداء والأعداء
كالنسر فوق القمة الشمَّاءِ
أرنو إلى الشمس المضيئة هازئاً
بالسحب والأمطار والأنواء
أجل أيها الشاعر: إن داء الأعداء الذي هجم علينا لن يهزم نفوسنا أو يسرق منها الفرح بقدوم العيد, فالصغار سيركبون الأراجيح, ويلعبون بمدن الملاهي, ويلبسون ثياب العيد، ويأكلون الحلوى, وما لذ وطاب من طعام العيد المميز, وسيزور القريب قريبه, والصديق صديقه, والأخ أخاه, ويجتمع الأهل مع بعضهم بعضاً متحابين متآلفين, فلا حقد ولابغضاء بين أبناء الوطن الواحد الذين وُجدوا في هذا الوطن إخوة متضامنين ـ بمختلف أعراقهم وأطيافهم ـ منذ آلاف السنين.
هكذا يكون فرح العيد بالمحبة, والتعاون, والتسامح, وبذلك تكون سعادة الإنسان وصفاء عيشه, وما أجمل قول الشاعر:
إذا المرء لم يكفف عن الناس شَرَّه
فليس له ماعاش منهم مُصالِحُ
إذا ضاق صدرُ المرءِ, لم يَصْفُ عيشُه
ولايستطيب العيشَ إلا المسامِحُ
وفي الختام أتمنى لكم جميعاً ـ أيها الأعزاءـ أن تُعَيِّدوا تعييداً حسناً, أي أن تشهدوا العيد بكل معانيه, معاني الفرح, والسعادة, والمحبة, والتسامح, وصلة الأرحام, لأن في صلة الأرحام تعميراً للديار.
وكل عام وأنتم بألف خير.
د . موفق السراج