الفيسبوك في قفص الاتهام

عقد من الزمان ولّى أو أكثر ، والجميع شباباً وشيّاباً منغمسون في صفحاته الزرقاء ، يتم التواصل مع آخرين ، يكتبون ولا أحد يقول لهم ليس جيداً هذا الذي تكتبون .. بل سرعان ما تنهال عليهم (أعجبني) بالعشرات وربما بالمئات أو حتى بالآلاف لمن تميز بعدد أصدقائه .
أخطاء في الإملاء والصياغة يندى لها الجبين ، ويعلق بعضهم في أسفلها (روعاتك) وينتشي صاحب الكلام ، ظناً منه أنه قد جاور المتنبي والمعري والقباني وأبي ريشة وغيرهم أو ربما تجاوزهم .
وأكثر تلك الإشارات في الإعجاب والروعة تكون لصاحب الكلام وليس للكلام ذاته ، فقليل من رواد هذا الفيسبوك يملكون من الصبر الكثير كي يقرؤوا نصف صفحة .. تعجبهم الصورة وتربطهم بصاحب الكلام صداقة أو استلطافاً ، فتتساقط إعجاباتهم كالمطر المدرار ، ويصير صاحبها أديباً أو شاعراً أو ربما فيلسوفاً أو علّامة.
وهيئت له منابر أخرى صار يلقي فيها نتاجه هذا ، صفق له رفاقه ، واعتاد على ألقاب صارت تلتصق به ، فصار يضيق ذرعاً إن ناداه أحدهم باسمه دون تلك الألقاب .
وانحدرت الحال ، وانزوى الأدباء الحقيقيون ، وابتعدوا عن الساحة وأخلوها لأدباء الفيسبوك ، وعاف الناس حضور النشاطات الأدبية إلا فيما ندر ، ويضطر هذا الفيسبوكي أو ذاك لدعوة أصدقائه وأقاربه كي يصفقوا له ، كي تكتمل اللعبة .
وعلل المعنيون قلة الحضور بالأزمة وأحوال الناس .. التي ليست هي السبب الأهم .
ولكن ..
أليست هذه الرداءة سبباً ..؟
وهل يستطيع الواحد منا أن يتحمل تلك الأخطاء التي لايقع فيها طالب في مرحلة التعليم الأساسي الأولى ؟
كيف نستطيع تحمل أن يكون الاسم المجرور مرفوعاً أو منصوباً ..؟ وكيف نستطيع تحمل الياء المشبعة في ( أنت = أنتي و هواك = هواكي ) والنماذج كثيرة ومتنوعة ؟ وكيف نستطيع تحمل تراكيب لغوية غريبة في كل شيء ؟ وهل قرأ أولئك كتباً أدبية أم اكتفوا بقراءة ما ينشره زملاء لهم على الصفحات الزرقاء ؟ وقد سألت مرة صبية تقدمت إلى مسابقة كنت في لجنة التحكيم فيها : ماذا قرأت من الشعر ؟ فذكرت لي اسماً لا أعرفه فقلت : ومن هذا ؟ هل له مجموعات شعرية ؟
لا .. هو صديقي على الفيسبوك فسألتها مجدداً : طيب .. من تعرفين من الشعراء : فذكرت اسم هذا الصديق .
وكان من السهولة أن تعرف أن أولئك الأصدقاء الفيسبوكيين هم من دفعها للتقدم لمسابقة من الطبيعي أن تصبح هي وكثيرين أمثالها خارجها . وسألت شاباً آخر ألقى ما أسماه قصيدة موزونة : على أي بحر كتبت هذه القصيدة ؟ لا أعرف لماذا تسميها موزونة إذاً ؟ وأشار ساعتها إلى قافية مصطنعة ، وكانت القصيدة مجرد سجع غير متماسك . وبذلك كان الفيسبوك هو المتهم الأساس هنا ، وعندما نقول الفيسبوك ، نحن نقصد أصدقاء الفيسبوك ، ولا نقصد الموقع الذي أسيء استخدامه من معظم البشر ، وربما لو أحسن استخدامه لعمّت الفائدة بدل أن يعم وهْم النجاح ، وهم أبعد ما يكونون عنه .

محمد عزوز

المزيد...
آخر الأخبار