توفيق الحكيم يصاب بعمى الغرب

كثير من الأدباء والمفكرين والفنانين الذين درسوا وتعلموا في معاهد وجامعات الغرب, فُتنوا بالغرب لدرجة العشق الأبدي ,وربما أكثر من هذا, فكتبوا واستبسلوا في الدفاع عن الغرب وكأنه المنارة الفكرية والثقافية والفنية اليتيمة في العالم ,والكون يدور في فلكه .
زهرة العمر
هو عبارة عن رسائل موجهة من الكاتب توفيق الحكيم لصديقة الفرنسي أندريه ,بعضها كتبها عندما كان في فرنسا بمدينة (باريس) بعيداً عن صديقه الذي يسكن بمدينة (ليل) ,والجزء الأكبر من الرسائل من الإسكندرية وطنطا ,حملت هذه الرسائل أراء وهواجس وأحلام الكاتب توفيق الحكيم ,وربما غاب عنها شرط جوهري وهو تاريخ هذه الرسائل ,إذ لم يؤرخ رسالة واحدة ,كي نتعرف على توفيق الحكيم بعمر الشباب أم … ورغم هذا يقدم توفيق الحكيم رؤاه للفن والأدب والتراث ,وهي تحمل قيمة كبيرة, تنبئ بكاتب مثقف من الدرجة الرفيعة ,متذوق للموسيقى الغربية فقد كان دائم الحضور للحفلات الموسيقية وهي تعزف أهم أعمال العباقرة (بتهوفن وباخ وشتراوس )في الغرب ,ومن خلال عدة فرق فرنسية إيطالية ألمانية ….و….ومتابع مجتهد لحركة الفن التشكيلي في أوربا فقد شاهد وتذوق أهم نتاج رواد النهضة في أوربا سواء في متحف اللوفر أو معارض خاصة أو متاحف أخرى ,لوحات أصلية لرواد النهضة الفنية في أوربا منهم فان كوخ بيكاسو ومنحوتات مايكل أنجلو ودافنشي …و….و……..
مفارقات غريبة
رسائله التي حملت شجونه وأحلامه فيها الكثير من المفارقات ,أهمها أن صديقه هذا أندريه ليس كاتباً ولا فيلسوفاً …و….و…هو عامل في مصنع (لا أقلل من شأنه) ولكنه مثقف ممتاز لدرجة أن يراسله وهو يبوح له بلواعج قلبه وفكره ,وكان أجدر به أن يقدم نموذجاً أو أكثر من رسائل صديقه حتى نتعرف على الآخر ونعرف سوية الخطاب الفكري الثقافي المتبادل بينهما ,والمفجع في بعض رسائله وكأنه يتوسل إليه للكتابة له, كونه أرسل له عدة رسائل دون أن يرد عليه برسالة واحدة , ومما أثار استغرابي أنه لم يحتك أو يقابل شخصية روائية أو فلسفية أو مسرحية ذات سمعة عالمية معروفة ,والأهم من هذا في بعض رسائله يتحدث وكأنه قادم من صحراء لم تنبت ولم تعرف أي شكل من أشكال الحضارة ,ثم يعود لوعيه ليسهب فيما بعد عن الحضارة الفرعونية ومن ثم الحضارة العربية الإسلامية ,ورغم كل هذا فنحن أمام استلاب فكري وثقافي يصيب المثقف والكاتب بعمى الرؤيا بعين واحدة. تذكرت عندما سأل الكاتب المسرحي والروائي الفرنسي جان جنية صديقه الكاتب المسرحي السوري سعد الله ونوس ,قال له : لماذا أتيت إلى باريس؟ فيرد عليه سعد الله : لأتعلم المسرح ,فقال له جان جنية : أذهب إلى بلدك وهناك تعلم وأبدع مسرحا يشبهكم ويحاكي أحلامك ,لأن الغرب يعيش حالة موت سريري بل ما هو إلا جثة نتنة .

محمد أحمد خوجة

 

 

المزيد...
آخر الأخبار