آتيك فارساً ملثما.. أمتطي القفار والبوادي, أعبر الأنهار الهائمة على صدر الأرض فرسي الشقراء تصهب معلنة بدء موسم القطاف! آن أوان الحصاد, واصفرت أعشاب البرية, وغادر اخضرار الربيع يحلم بعرس جديد على هودج من السنونو , وأغنيات السواقي المسافرة بين ـ مصْطبات التلال العامرة بشقائق النعمان, والفراشات تملأ الوادي الزاحف مع الضباب صوب الجبال المكللة بالثلوج الدائمة, أمطاراً من المحبة وطيفاً من الجمال!
كل شيء, عندما تخطرين ببال القصائد, جميل ورائع, تتنفسين من رئة الحقول أيتها الحورة النابتة في واحات قلبي, وتفترشين بدلال على سياجي العاري!
وفي عينيك تبحر وتلتقي الزوارق, تتوهم الصواري, وينام الموال حزيناً على أوتار ربابة عبد الله الفاضل الذي هام على وجهه في بادية الشام, نبذته العشيرة لأنه مجدورٌ.. ؟! وتخلد الفصول إلى الراحة, حين تدوسين حافية أرضا لم تطأها من قبل خراف راعٍ سَهَا على أنغام مزماره, وعندما استيقظ من غيبوبته لم يرَ أثراً لخرافه الشاردة في ربوات الحيرة والارتباك!
كنت واهمة كالمنارات المشتولة على أطراف البحار! ووقت هياج الموج لايعرف البحر أسماكه ولا لون قيعانه, يرحل النخل يستوطن الشطآن الآهلة بالرمال والصخور والقواقع والمحارات وبقايا السفن المرتطمة ! وتزحف الحيتان والأسماك إلى موتها الحتمي بين طيات وثنايا الرمال الحارقة, ويذوب جليد القطبين, وتضطرب خطوط الطول والعرض, وقتها يغتنم العشاق الفرصة, وتقترب المواعيد, تحتضن الزمان والمكان, وينجو أنين المظلومين على عتبات التاريخ, يعود الكل إلى سيرته الأولى, الأسماك إلى البحر, والنخل إلى الصحراء, وتبدأ دورة الحياة من جديد, وترتجف أرصفة العالم من صدى الهمسات والقبلات,وروعة المواعيد!
قرأتها مرات ومرات, أنها سمفونية ـ أورفيوس ـ العذبة وبراعم كلمات طرية أخاف من لمسها, أو من شَمِّ رائحتها ! لكنها ـ مزهرية ـ روحي أسقيها بالخوف الذي تعيشين فيه, أنك اليمامة الحائرة النائحة على غصون حنيني, والحمامة المطوقة, هديلها في قصائدي, أنت كرعشة الينابيع بين شعاب اشتياقي, وعلة ضفاف حروفك أستريح استراحة المحارب إنها الحياة يا ؟! ـ لحظات عابرة, لماذا الخوف ياسنونوة في ربيع أمنياتي..!
جدّدي موعداً نلتقي به, أيتها الطالعة كالزيزفونة على جدران بيتي, ولمن تكون الأغنية الأخيرة, جريمة أن تشهق الحياة عند منحدر ضيق من الزمان , فعاودي الكتابة لا تختصري , قولي ماشئت, عبّري بعمق إحساساتك, لأنني أشعر أن بأعماقك أشياء تودّين قولها! وخجولة أنت, فكابري ياروعة الأشياء! وواصلي مشوارك, لاتقطعي الطريق بالأعذار! صورتك تميمة في جعبة الأيام الآتية, وأنا بانتظارك في محطة اللقاء, جدّدي موالك, واعزفي على أوتار شعري, أغنية جديدة الكلمات واللحن والإيقاع, عنواني لم يتغير.. أيتها العطشى المحرومة من مطر الشتاء, فأنا بانتظار الأغنية القادمة.
مشوارك طويل وبعيد, تعالي نرتاح قليلاً, نفرش زادنا على العشب، حان أوان الغداء, وبعده تحت شجرة التوت نِمْتُ, رأيتُ مّناماً أنني أطارد الغيوم, وأعدُّ نجوم المجرات, أرسم قوساً قزحياً, اصارع الثيران في مدريد, تلاحقني الخفافيش السوداء بزعيقها ويكاد البحر يطمني.. يقذفني بين أشداقه الزرقاء, أصيرُ علاءَ الدين والمصباح السحري, ويأتي ـ الجِنيُّ ـ المارِدُ مُلبيّاً طلباتي ورَغَباتي, فكنت أنتِ إحدى أمنياتي, ولكن ما إن مددت يدي نحوك أتقرّاك حتى لُطِمْتُ بجذع شجرة التوت, وأفقت مرعوباً، أنظر ماحولي لكن لا أحد..
سوى رؤيا لِمُتْعَبِ التّرحال في بلاد الله الواسعة!..
من أسبوع إلى أسبوع تحاصرني الكلمات, تهاجمتي الفواصل وتجلدني النقاط ، وتقاطعني الحروف, كيف أطرز تنورتك باللهفة والاشتياق, وأرش دربك بالورود والرياحين ! قرِّبي صوبي لأرى تعاريج العذاب على هضاب وجهك, وأرى وجهي المُغبَّرِ في مدى عينيك الدامعتين, وإلى أن نلتقي ياشقيَّةَ المعاناة على ضِفاف الأمنياتْ!
خضر عكاري