الشّعر ُ كلّ هذا ..وأكثر ..وأكثر

نحاولُ من خلالِ الشعر أن نردّ بعضاً من مآسي الزمان عن وجوهنا التي تزداد يباساً كصفصاف فقد التراب، الماء، الهواء، وأخذت ريح الفصول ترتّل على أغصانه مواويل النساء الباكيات بمرارة الفقد فوق شاهدات القبور..
..ما الشعر إلا تلكَ الأمداء و الأنداء التي نحتاجها كي نمعن في حبونا و عدونا نحو سواقي الطفولة التي مشيناها حفاة إلا من الحب و القهقهات .
.. الأمداء التي تمدّنا بنواحنا وبكائنا وصراخنا وعويلنا .. ووجوهنا نحو الله لا يفصلنا عنه فاصل .
الشعر… تلك الأسئلة الكبرى التي تنتظر الإجابات .. تلك الغمامات السابحة في سماء الله التي تحنُّ علينا من قيظ صيفٍ ملّه الناس.. تلك الملامح التي ترسمها الدهشة فوق وجوه القدّيسين و الكهنة و الصوفيين لحظة مشاهدتهم هالة النور الإلهي .
..تلك الحقول التي تشع في ليالي الصيف , حقول القمح الحنون الذي يفيض على كل المخلوقات بوافر روحه.. يفيض على مفردات المكان وكل أبناء الزمان.
الشعر تلك الكروم المعلقة بأعيننا وقلوبنا , تنتظرنا و تحنُّ إلينا وعلينا ككرمها
.. كروم الدروب الطويلة و العمر المديد ..
الشعر تلك الينابيع التي جمعتنا حولها حفاة وركضنا على حوافها نشدُّ السماء إلينا بأناشيد وأهازيج كل الأمهات و الجدات.. نرسم ما زنرنا الله به من براءة وعشق على وجه ماء.
الشعر ..أسئلةٌ راكمتها حالات الخوف , القلق , التأمل , البكاء , بكاء النساء على جثث أزواجهن.. أشقائهنَّ .. وحين بكاء الرجال على مرأى من أولادهم الضالعين في النحولة و الانحناء و الجوع .
الشعر تلك العيون التي تنتقل بين خرابات الحروب وازدحام السماء بكتل الحديد , و هدير المجنزرات على ضفاف نهر ودروب القرى .. وبين الله الذي في الأعالي .
الشعر حنين وطن .. حنين أمٍّ على وحيدها المتأخر في مساءات الحروب.
… حنو الماء على صفصاف الدروب وانحناءات أغصانها على وجه هذا الماء .
… حنو الدنان على ندمائها ..
اشتياق الطفل لهدهدات أمٍّ كوّمتها القذائف في الصباح .
… هلع صغار المدارس عند قصف ساحاتها واشتعال النار في كراساتهم .
الشعر .. صوت الحزين على غيابات أنامله عن الربابات أو غياباته في أوتار الربابات التي أدمعتها المواويل .
الشعر .. تهاليل البحار بقدوم نهر وافدٍ للتو من عمق التلال وأقاصي السهول .
.. فرح وابتهال دجلة عند لقياه الفرات.
… شعور المرأة الحامل بعد طول انتظار بحراك الجنين فتطوقه بكلها و بالدموع .
… نواح الحمام اليمام وكلُّ الطيور عند سماعهم كل العباد ترتل والأيادي تجاه السماء صلاة الاستسقاء بعيد موات فراخها في أسفل العشِّ .
بين السماء وسطوح المنازل في الرافدين عند كلِّ مساء, فأولئك الممددون يشدون السماء، بموال واحدٍ ويحمّلون في عرباتها ذاك العتاب الجميل , فتموج الكواكب بدمع حنون..
الشعر كل هذا ..وأكثر ..وأكثر

عباس حيروقة

 

المزيد...
آخر الأخبار