البطل الذي لاعيب فيه, هو وقفتنا الثانية في أهمية البطل التراجيدي في السينما, فإذا علمنا أن الشخص ذا الضعف الإنساني ليس هو الشخص الوحيد الصالح للاطلاع بالبطولة في الأعمال التراجيدية، إنما يمكن أن يكون البطل التراجيدي شخصاً مكتمل الفضيلة ( كالقديس) الذي كان بطلاً في بعض الأعمال التراجيدية القليلة..
ولكن أرسطو كان يرى أن هذا النوع من الشخصيات التي لاعيب فيها غير ملائم للقيام بدور البطل التراجيدي، ومما يجعل رأي أرسطو أكثر منطقية وإقناعاً أننا لانجد عبر تاريخ الأعمال التراجيدية , إلا القليل من الأعمال التي اضطلع ببطولتها بطل ( تراجيدي) لاعيب فيه.
وفي السينما المصرية لانجد إلا القليل من الأفلام التي يمكن أن يكون أبطالها نماذج قريبة الشبه من هذا النوع من الأبطال التراجيديين مثل فيلم (الرجل الآخر) عام 1973 وهو من إخراج ( محمد بسيوني) والذي أيضاً قام بكتابة السيناريو الحوار, وهنا نجد المصادفة البحتة هي التي جعلت من هذا الفيلم عملاً تراجيدياً.
ففي بداية الفيلم نشاهد الزوجين المتحابين ( شمس البارودي , وصلاح ذو الفقار , وهما يمضيان فترة شهر العسل في نشوة وسعادة غامرتين, ولكن ذات صباح يخرج الزوج صلاح ذو الفقار ليحضر لزوجته هدية, وأثناء فترة غياب الزوج عن منزل الزوجية , يأتي أحد السباكين لكي يصلح العطب الذي أصاب ( حنفية ) داخل الشقة, وخلال قيامه بعملية الاصلاح هذه, تحدث عدة أشياء تجعل هذا السباك يثار بشدة من الناحية الجنسية فيعتدي بوحشية على شرف الزوجة المسكينة ( شمس البارودي ) التي كانت وحيدة داخل شقتها, ويهرب السباك الشرير تاركاً إياها ملقاة على أرض الحمام, فاقدة الوعي, ثم يأتي الزوج التعس ليكتشف الحقيقة المرة, والتي أحالت جنة شهر العسل الساحرة إلى جحيم قاس لايطاق.
نحن نجد هنا أن المصادفة الخالصة قد تسببت في جعل الزوج ـ الشرقي الخصال ـ ينفر من زوجته المسكينة المعتدى عليها, لأنه لم يستطع ـ مطلقاً ـ أن ينسى شبح ذلك الرجل الآخر الذي شاركه جسد زوجته.
لذلك فإن هذا الفيلم لم يتخذ ذلك المسار التراجيدي بسبب وجود عيب في تكوين شخصية أي من الزوج المحب الغيور (صلاح ذو الفقار) أو الزوجة المحبة ( شمس البارودي) و إنما السبب في اتخاذ الفيلم لهذا المسلك التراجيدي يكمن بصفة رئيسية في نشأة دوافع وظروف قوية خارجة عن إرادة كل من الزوج والزوجة, وإن كانت هذه الدوافع وتلك الظروف, وليدة القدر الخالص أو المصادفة البحتة.
الفيلم صور بالأبيض والأسود على الرغم من أن الألوان كانت قد دخلت إلى معظم الأفلام المصرية في ذلك الوقت, ويبدو أن المخرج أراد ذلك ليعبر عن سوداوية الحدث, فالبطل صلاح ذو الفقار الذي لاعيب فيه لايستطيع أن يطلق زوجته التي اغتصبت غصباً عنها, ولايستطيع أن يعاشرها كزوج, هكذا ينتهي الفيلم .
قصة الفيلم فيها شيء من الواقعية, وقد قدمت شمس البارودي دوراً جميلاً, وكذلك صلاح ذو الفقار, وعلى الرغم من مرور تلك السنوات على إنتاج هذا الفيلم فإنه يستحق المشاهدة.
سليم الشامي