من منا لم يشعر بالغيرة يوماً ما , سواء في طفولته أو شبيبته , وعلى مدى سني عمره، فالغيرة ليست شعوراً مذموماً في كل الأحوال , فهي عادة جميلة قد نستغلها في تحسين مستوى تعليمنا أو أدائنا المهني , بما يعني التقدم للأمام , ولولا غيرة اليابانيين والألمان من التقدم الأوروبي والأمريكي عنهم بعد الحرب العالمية الثانية لما تقدموا وابتكروا وأبدعوا ليصبحوا من القوة العظمى اقتصاديا ومالياً وصناعياً .
ِأنواع الغيرة
سألنا المرشدة النفسية ناديا حرب عن أنواع الغيرة , قالت :هناك غيرة العشاق , حبيباً وحبيبة , زوجاً وزوجة , وهذا أصعب أنواع الغيرة على ماأعتقد , فالغيرة هنا عنوان حب الزوج لزوجته أو العكس , الحبيب لحبيبته أو العكس , فمثلاً عندما يعشق الرجل يريد أن تكون حبيبته ملكه وحده , فيغار عليها من كل شيء ولايريد أن يشاهد غيرها , حتى إنه لايبتسم سوى لحبيبته , فهي تسكن فؤاده , ونرى الأم أحياناً تغار من زوجة ابنها بسبب شدة ولعه بها , فتبدأ المشكلات الأسرية , وربما تغار الأخت أيضاً من حب شقيقها لحبيبته , فتصاب بالغيرة عليه , لتبدأ المناوشات , خاصة إذا كان منزل الزوجية في بيت العائلة الكبير .
نعود إلى غيرة المحبين , فهي تشعر الآخر بالأهمية وقدر المحبة , وفيها كتبت الكثير من القصائد والأشعار , لأنها ترضي غرور المحب , رجلاً أو امرأة , وتجعل المحب يشعر بالسعادة , لأن غيرة حبيبته عليه تعني له أنه تحبه كثيراً أو يحبها كثيراً , وأنها كل حياته أو أنه كل حياتها , فالمحب يستمتع بهذه الغيرة , ولكنها قد تنقلب إلى غم ومشكلة كبيرة إذا زادت عن الحد وأصبحت مرضية , لأن الغيرة هنا قد تقتل الحب , وتكون غيرة الرجل منفرة للمرأة وتعتبرها تعدياً على حريتها , وكذلك غيرة المرأة عندما تحاول إحكام الخناق على زوجها أو حبيبها , والمطلوب هنا , أن تكون الغيرة بقدر محدود ولاعلو أو تطرف فيها , حتى لايفشل الحب أو الزواج , خاصة ونحن نعلم أن الغيرة شيء فطري من الله عز وجل . فمثلاً نستنتج مباشرة من قصة هابيل وقابيل , فالأول رضخ لرغبات الشيطان وقتل أخيه هابيل بعد أن تقبل الله قربانه , فقد اختار أحسن ماعنده وهو خروف سمين وقدمه قرباناً للرب وكان قلبه صافياً نظيفاً , في حين قدم قابيل فاكهة رديئة فاسدة وهو حانق ولم تقبل منه . وقال قابيل لأبيه آدم مغتاظاً وغاضباً : « إنك دعوت لهابيل فتقبل الله هديته ولم تدع لي « … فرد عليه آدم :» بل تقبل منه لأنه قدم أطيب ماعنده , وقلب صاف ، أما أنت فقدمت إلى الله أردأ ماعندك وقلبك رديء , إن الله طيب لايحب إلا الطيب «.. حينما تمكنت الغيرة من قلب قابيل بعد أو وسوس له الشيطان كثيراً , فقتل أخاه هابيل بالحجر ليجري أول دم على الأرض ليفيق قابيل إلى نفسه , فلما رأى دم أخيه شعر بندم , وعرف أنه عمل عملاً فظيعاً . فقد خسر كل شيء , وشعر بالخوف والحزن والندم , وخسر الراحة والأمن والاطمئنان , وعندما كانت الريح تهب يتخيل أنها تصرخ به قاتل, قاتل, قاتل «, وعندما تزأر الوحوش في الغابة يكاد يسمعها تناديه : « ياقاتل «. لم يعرف قابيل الراحة بسبب الغيرة التي دفعته إلى قتل أخيه وعاش مذعوراً مرعوباً وخائفاً طوال عمره …
إنها الغيرة القاتلة . والأم يجب أن تكون واحدة ومتساوية لكل الأبناء تجنباً لإثارة الغيرة بينهم . وكما ضربنا الغيرة الإيجابية باليابان وألمانيا , فالقدر المعقول منها يشكل للمرء أو المجموعة أو الدولة دفعة قوية للإنجاز على نحو أفضل , إلا أنها قد تسبب صرخات نفسية مميتة مثلما كان في حالة قابيل وهابيل، فهي تشكل هنا خطراً على التوافق الاجتماعي , أما إذا استمرت كشعور إنساني طبيعي بشرط عدم عقد مقارنات بين الفرد وآخرين , فهي تفيد الإنسان , على ألا تتغلب عليه حتى لاتفسد حياته وتحولها إلى جحيم ومكائد للقضاء على الآخرين , وتصل الغيرة أحياناً إلى أن يغار الرجل على امرأة تحبه حتى لو لم يكن يحبها , وتغار المرأة على رجل يحبها حتى لو لم تكن تحبه . لماذا؟ لأن أجمل أنواع الغيرة , هي غيرة الحب , وأسوأ أنواع الغيرة , هي غيرة الحقد , والأمر الأكيد أننا نغير على الذين نحبهم لأننا نحب أنفسنا , فلا يجب أن نعبر عن حبنا لهم بالغيرة , خاصة وأن الحب الكبير يولد الغيرة , أما الغيرة إذا كانت شديدة تقتل الحب .. قد يعتقد بعض الأشخاص أن الغيرة هي عنوان الحب بين الرجل والمرأة , فهي عندما تعشقه تريد أن تمتلكه , فتغار عليه ولاتريد لغيرها أن يراه ولايبتسم إلا لها ، ولايكون بداخل قلبه سواها . ونراها تغار أحياناً حتى من أمه وأخته , وفي هذه الحالة كما أسلفنا فهي ترضي غروره وتجعله يشعر بالسعادة , لأن الغيرة تعني له أنها تحبه كثيراً وأنه كل حياتها فيستمتع بهذه الغيرة , ومنهم من يشتكي من تلك الغيرة , خشية أن تقتل الحب إذا زادت عن حدها من أي من الطرفين .
والآن ..هل يحق لنا أن نغار على أحبائنا , أم نمضي هكذا , ولكن وقتها لن نعيش الحب , فالحب الحقيقي غيرة وسهد وشعر وقصائد …
ريدا حصني