للفصول طقوسها الاحتفالية الخاصة التي لم ننسها رغم كل ما تلقيناه من مآس يقشعر منها تاريخ الحضارة في حالة النهضة وحالة الانحطاط ، مدفأة في زاوية أو منتصف تشرين؟ تكش البرد عن زوايا العين . مدفأة واحدة تكفي فالحطب أصبح سعر الطن 50 ألف ليرة وكل 100 ليتر من المازوت بـ 19 ألف ليرة . إذاً مدفأة واحـدة تكفي لتجتمع حولها العائلة والضيوف والطالب الذي بدأت مذاكراته كون امتحانه الفصلي في شهر كانون اﻷول فقـدَ بهجـته التي كانت تأتي معه في كانون الثاني، والعطلة الانتصافية التي كانت تليه فـقدتْ بهجتها وقيمتها للطالب والمعلم بعد أن انتقلت لكانون اﻷول كل شيء قابل للتغيير نحو اﻷفضل وليس نحو اﻷسوأ. كان ياما كان: في كل غرفة مدفأة مازوت لا تشعر الحيطان آنذاك بالبرد حتى العصافير لم تكن تهاجر حينها كانت تقيم حول اﻷبواب والنوافذ وترافقنا حين نخرج من البيت ريثما نصل مفارق المشوار، لم تكن عظامنا حينها/تتكتك/ من شدة البرد كنا نعشق الشتاء ونفضله على باقي الفصول شتاء دافئ وعطلة انتصافية في كانون الثاني كان يا ما كان : نتسوق بـ 2000 ل س ونقيم كل مساء سهرة عائلية تمتلئ الطاولة بما لـذّ وطاب من اﻷحاديث والضحكات التي ترن فـتتجاوز حـدود القرى والمدن واﻷنهار والجبال ووووو، نقشر القصص والحزازير والمسابقات الشعرية اليومية. كان يا ما كان: نقطع المسافات مساء لحضور أو المشاركة في أمسية شعرية في منطقة أو محافظة أو قرية ونعود لا تتسع الدنيا لسعادتنا لنكمل السهرة في بيوتنا الساكنة فينا، حضرْ القهوة جاء الشتاء ،فنجان لنا والثاني للطقس أشعلْ فتيل النجوم، فالليل طويل، سنسهر حتى يفيقَ الفجر في جيوب الصنوبر، وتفتح اﻷبواب عيونها على أغاني فيروز . كان ياما كان وخلتْ أيامنا من الدفء وطعم الكستناء ، وجلسنا على شرفات الشكوى نعلق على شماعة النصيب ما أصابنا من حـرب وخـراب، بالعموم نغطي أوراق روزنامة سنوات نلغيها من سجل العمر ونكتفي برؤوس السنوات الهاربة يقول قائل : معظم اﻷساطير الموروثة لاتهمني فعقلي يزن بلداً ، ولكل أسطورة واقعها الذي ننفي وجوده بتقادم الزمن وتطور العقل البشري الذي يتجاوز تلك اﻷسطورة إلى أساطير جديدة . فهل الـــ كان يا ما كان أسطورة ؟ مع أنها زمنياً جارة للحاضر وشبّاكها مفتوح على اﻵن، وبالتالي أبرر الوقوف على اﻷطلال ومدحها والابتعاد عن محاكاة واقع مصاب بمرض الفاقة .
نصرة إبراهيم