أدباء متواضعون!..أدباء محبوبون.!..

من الذين بنوا مجداً شامخاً للقصة الانجليزية (سومرست موم)!! وهو ذلك الكاتب الذي وهب نفسه وقلبه وقلمه من أجل أن يقدم للإنسانية أفضل أثر أدبي في أوروبة!
عاش سومرست موم حياته حتى شاخ وتقدمت به السن, وقد ظل عمره يغوص في أعماق النفس البشرية ويكتب قصصاً عن الإنسان!.
كان يضع قلبه عليه.. يحلم بأحلامه, ويتألم لآلامه..
عاش (موم) حتى قارب التسعين من عمره.. وهو في كل ماكتبه لم يكن يداهن، ولم يكن يحابي أبداً, وقد كان يأبى الخروج من الحياة إلا بعد أن يقدم للإنسانية تجربته الطويلة عن الناس والأشياء والحياة!..
وقد أدرك هذا الكاتب من خلال تجربته أن الإنسان معقد, وأن الطبيعة الإنسانية تحمل المتناقضات, فالشرير العريق في الشر لايخلو من نبضات الخير.. والبخيل الذي يعض بأسنانه على القرش يستثيره موقف من المواقف فيكون كريماً سخياً في كرمه!!
ومن هنا كان سومرست موم هذا الكاتب الروائي القاص يمجد الإنسانية أيما تمجيد, فالنفس الإنسانية عظيمة بما تبديه من شجاعة وقدرة على التحمل وثورة على الظلم!..
في مجموعته القصصية (اهتزاز ورقة شجرة) يصور موم أبطاله وهم غريبون طبعاً يجولون أنحاء الشرق أو يعيشون فيه وهم رجالاً ونساءً لايستطيعون أن يكيفوا أنفسهم حسب الجو الجديد فيفقدون توازنهم وهدوءهم النفسي.. وعنوان هذا المجموعة نفسه (اهتزاز ورقة شجرة) يشير إلى هاذ المعنى مع ملاحظة أن الكاتب الانكليزي هنا يحب الشرق كثيراً حتى إنه يتمنى أن يقيم في عاصمة عربية كدمشق أو القاهرة مثلاً ليتعرف إلى أناس الشرق الذين سحروه وليتمكن من اللغة العربية التي سحرته!!
شخوص مجموعته القصصية ذوو نفوس قلقة مضطربة!.. وقد تركت أثراً بالغاً في نفوس قارئيها حتى إنها أغرت كثيراً من الأوربيين بالسفر إلى الشرق العربي!!
وفي أحد اللقاءات الأدبية قال سومرست موم:
ـ لست قمة في القصة!
وحين سئل:
ـ اين يقف بين كتاب القصة المعاصرة؟
صمت الرجل الكبير لحظة ثم قال بتواضع: ـ أنا أعرف أين أقف , في مقدمة كتاب الدرجة الثانية(!!)
(سومرست موم) رائد القصة الانجليزية يقول عن نفسه إنه يقف في مقدمة كتاب الدرجة الثانية, يقول ذلك بعيداً عن الغرور, بعيداً عن الادعاء والتضخم, بعيداً عن القفز فوق الأسطحة والتسلق وشد الحبل إليه وإظهار (معلميته) في هذا الفن المتميز(!!).
إن التواضع من صفات الإنسان الذي يعرف قدر نفسه!.. و.. نحن اليوم أحوج مانكون إلى التواضع..
بمعنى آخر أن نعرف أين نقف, وعلى أية أرض نسير.. وأن نعطي لأنفسنا حجومها الحقيقية من دون زيف أو رياء أو ادعاء للتفوق في الفراغ!!
وحين يعرف المرء قدر نفسه يعرف حدّه وحدوده!
يعرف حجمه الحقيقي ورحم الله امرأ عرف حده فوقف عنده(!)
ولكن ـ يا للأسف ـ نسينا ذلك وأصبنا بالتضخم في كل شيء أو التمدد ( إن صح هذا التعبير)!..
إن سومرست موم كاتب حقيقي.. سومرست موم كاتب متواضع يعطي لنفسه أقل ماتستحق ..! وهو يعرف أن الانطلاق يكون من النفس أولاً.. ينطلق الإنسان من ذاته ويلتزم برسالته في هذه الحياة من دون غرور أو تبجّح.. إنه يسلك أصح طريق ممكن ليسهم في تقدم الناس ( الشعب) وتقدّم الأمة!

إن داء التضخم هو داء الصغار.. لأنهم وحدهم الذين يعطون لأنفسهم الكثير الكثير ويلهثون وراء الادعاء والغرور ولأنهم كذلك وحدهم أيضاً لايعرفون كيف يكون التواضع.. تواضع الكبار!

نزار نجار 

المزيد...
آخر الأخبار