إحدى أجمل الذكريات التي أستهوي استرجاعها من عمر الطفولة..أو هي ليست ذكرى.. هي عادة أمارسها منذ الطفولة عندما أواجه البحر وأسترق النظر إلى حدود شاطئه وكأنني أبحث عن كنز..
قد لا أكون الوحيدة التي تمارسها فربما بعضكم مازال مدمناً عليها وربما جميعكم تستلذون بممارستها وتداولها.
عزيزي القارئ.. هل يقوم صدف البحر بإغرائك للنظر إليه كلما زرت الشاطئ؟.. هل يستقطبك كمغناطيس للمسه والاحتفاظ به أو لجمع عدد كبير منه؟.. كم ألف مرة استمعت إلى صوت المحيط من خلاله؟.. أيعجبك هذا الترتيب؟؟!.. تضعه على أذنك وتنصت.. شيءٌ يشبه الخرافة بروعتها يسيطر عليك لبعض الوقت وأنت مقتنع تماماً أن ما تسمعه هو صوت البحر على الرغم من أنك تدرك جيداً أن الذي تستمع إليه ليس إلا ضجيجَ من حولك حبسته داخل جوف الصدفة عندما وضعتها على أذنك..
حتى هذه اللحظة لم تعجبني الحقيقة حقيقة ماأسمعه داخل صدفة البحر، مازال الخيال لدي مستمتعاً لصوت البحر فيها، وإن كان ليس هو سأخلقه.. هي صدفة صغيرة كبيرة لا يهم.. تطوي البحر فيغدو دقيقاً جداً على اتساعه، يستصرخ.. أو ربما يغني أغنية الحياة هي المفضلة لدي بين مختلف أنواع الموسيقى حتى هذه اللحظة وأنا في هذا العمر..
لا زلت أمدّ يدي التي أصبحت صغيرة.. صغيرة جداً أكثر من عشرين سنة.. ألتقط مايحلو لي من أصداف صغيرة كبيرة متوسطة بيضاء سوداء ملونة وأستمتع بما يغنيه البحر الحبيس داخلها.. ضاربةً بمتعتي هذه كل الحقائق العلمية عرض المحيط.. لا يمكن لإحساس طفلة أن يخطئ.. لا يمكن أن يكون كل هذا السحر والجمال مجرد ضجيج.. ومتى كان للضجيج سحر وجمال؟؟..
عزيزي القارئ فكرْ معي.. ضع صدفة تعجبك على أذنك وسلطنْ.. اسمعْ مايقوله البحر.. إنه يغني أو ربما يلقي خطاباً.. الضجيج ليس فصيحاً صدقني.. لا تدعِ الحقيقة العلمية تبعدك عن عالم السحر.. أدرْ ظهرك لما يبعدك عن الاستمتاع.. لا تخجل مما تفعله.. أطلقْ يدك.. اجعلها تصغر قبل وصولها إلى الصدفة التي تعجبك.. أخفضْ صوت الضجيج ورتّبْ حواسك العشر واجعلها تتماهى مع ماتسمعه.. إنه البحر يناديك يدعوك لسماع جديده، يتلو عليك ذكريات طفولتك بدقيقة هي دهر، تتدفق عليك سلسبيل أغنيات وأحلام وردية..
هو البحر.. بشحمه ولحمه، يتجرد من كل قوته وجبروته.. يخلعهما.. يرميهما خارج حدود صدفة، ويدخل ركنه المفضل فيها.. عارياً.. ويبدأ بالغناء..
كنانة ونوس