ـ الشعر هو الإنسان ..وعندما يموت الإنسان يموت الشعر ..
لأن الشعر بوح صادق لترتفع به الذات المتعطشة إلى طريقها نحو فضاءات مضيئة .. لذلك فإن الشعر سيبقى ومضة تشير إلى اللحظات الإبداعية المتفجرة .
وهذا الإبداع الذي بين يدينا هو مجموعة شعرية ..إحدى روائع الشاعر الحمصي نذير الحسامي بعد عدة أعمال له , جاءت هذه المجموعة بغلاف ملون برسوم معبرة ليضم بين دفتيه (230) صفحة من القطع المتوسط و(54) قصيدة أبدعها الشاعر بأسلوب جميل وخيال خلاق صاغ من كل ذلك شعراً فرداً متميزاً .
ـ احتوى الديوان حديقة قواف من الشعر الوجداني العاطفي وقصائد أخرى .. ذلك هو الشاعر نذير الحسامي الذي انفرد بديوانه ( الوردة تعشق برعماً ) القراءة فيه ممتعة إن من يقرأ ديوانه تشده الرغبة وتستجديه الكلمة لأن يقرأه مراراً من ورود الشاعر أقتطف بعض القوافي الجميلة .
ابتدأ الشاعر ديوانه بقصيدة ربيعية جميلة يسأل بها نيسان أن لايرحل لأن نيسان وشبابه (صنوان) , يقول الشاعر : (ص 9)
نيسان
نيسانُ لا تَتَعجَّل الخَطْوا يازائراً عطر الخطا حلوا
غَرّدْ بأنفاسي وَصِحْ بدَمي أترعتَني وملأتَني شَدْوا
أَمُودّعي ؟وعَلَامَ؟ يا أسفاً يُطوى الربيعُ وأنتَ لا تُطوى
يأسف الشاعر لأن الربيع يعود كل عام ونيسان يعود, وشبابه إن رحل لايعود …
ـ ثم ينتقل الشاعر لليل , فالليل صديق الشعراء ومسامر العشاق فكتب في (ص 30)
سرّي أنا والليل
سَألْتَني مَنْ أَنَا في زحمةِ الصورِ
ياسامراً غاب عن كأسي بهِ خمري
سألتني وجناح الليل ينشدني
جرحاً على الآهِ في سَجْعي وفي سحري
إنْ كنت تسأل عن سرِّي فسَلْ قَدَحي
ما الوهجُ في الخمر أو ما اللمحُ في السكر؟
الليل عند الشاعر لحظة إلهام يتألق به خياله وتفيض عاطفته فيسأله ..
أيها الليل … معك أفكر , وأتألم , وأتأمل , وأبدع صوراً من حروفي للحبيبة
التي غفت على سطوري زمناً , فلا تسألني لماذا أسهر …؟
ـ ينقلنا الشاعر إلى قصيدة أخرى .. نقرأ فيها مع الشاعر (كتاب الحبيب) الذي جاءه مسلماً فغدا الشاعر محلقاً في فضاء حب وفيّ كتب الشاعر ص(142) .
كتاب الحبيب
كتابُ الحبَّ جاء مسلماً بغرام مَنْ أهوى
أتى مِنْ حلوة التغريد ساحرة الصدى حُلْوا
معطرةً الشفاه تُعطِّرُ الأنغامَ والنجوى
عطاءُ بخيلةٍ في الوصل عفوَ عطائِها عفوا
ـ قصيدة الشاعر (كتاب الحبيب) تتنسم فيها عبق شذا الطيب والرقة وخفقات حروفها نرى فيها أنات وجد لشعر رقيق الحاشية إنه شاعر تغنى بالحب الصادق .
نلتقي مع الشاعر في قصيدته التي جاءت عنواناً لديوانه (الوردة تعشق برعماً) من قصيدته أنتقي بعض الأبيات ص (117) .
الوردة تعشق برعماً
الورد ملء عيوني رونقاً وندى كأنَّ فيه مناط الشوقِ للزَّهرِ
وكان سرُّ ضحاها البكر منطوياً بسحره في خبايا برعمٍ نضر
وذاك يعشق طعمَ الشهد في دمها وذاك كأس الطلا في ثغرها العطر
ـ بانوراما جميلة ممتعة رحلنا مع الشاعر في ديوانه من مناسبة لأخرى وما أجمل القوافي والكلمات التي قرأناها مع الشاعر المتميز نذير الحسامي وهذه قصيدة لها مناسبة خاصة , جاءت بلون جديد بما يتفق والموضوع الذي تناوله الشاعر في مساجلة شعرية مع صديقه شاعر من حماة (أبي تمام منذر لطفي ) حول الشاعر الحمصي (عبد السلام بن رغبان) الملقب بـ (ديك الجن) والتي تروي قيامه بقتل جاريته وغلامه بدافع الغيرة والانتقام.
القصيدة (97)
أمثولة الديك ياحمص
ياحمصُ كلَّ المجاني في دواليكِ ياحُسنَ مغناكِ بَلْ ياحُسنَ أَهْليْكِ
قالوا: نطقتَ جنوناً . قلتُ مِنْ وَلهٍ جنونُ وَجدِكِ أحلى ما يُحْلِّيكِ
إذا ذكرتِ الهوى اهتزَّ الهوى طرباً ياحمصُ لافُضَّ في ذِكْرِ الهوى فُوكِ
(أمثولة الديك) ما عاشَ الهوى بقيتْ من ذا يعيِّرُنا أمثولةَ الديكِ
ياحمصُ … والتفتَ العشَّاقُ تسألني دنانُهُمْ أنْ تهلّي كي يغنّوكِ
أمّاه … أمَّ الحجار السودِ لافَتِئتِ على جنونٍ بها بيضاً أياديك
ـ مساجلة جميلة , قوية في معناها , ومبناها بين شاعرين لهما تراث شعري غني عن التعريف .
بقراءة هذا الديوان وهو احدى المجموعات الشعرية للشاعر نذير الحسامي راودتني أمور كثيرة. رحلت مع الشاعر من خلال قصائده وقد عرفته وسمعته عقوداً من الزمن. أن الشاعر نذير الحسامي شاعر أصيل مطبوع.
الغزل :
يجد القارىء في ديوانه ملامح الأنثى والحبيبة التي ضيعت الشاعر في تلافيفها وغفت على سطوره مدى حياته .
الشاعر نذير الحسامي في سطور:
ولد الشاعر نذير الحسامي في حمص عام (1919) درس في مدينة حمص, ثم أنهى دراسته الجامعية بحصوله على الإجازة في الحقوق من جامعة دمشق عام (1947) عمل في عدد من وظائف وزارة المالية والجهاز المركزي للرقابة والتفتيش نشر الكثير من شعره في الصحف والدوريات العربية .
رحل الشاعر عام (1997) تاركاً تراثاً شعرياً أغنى مكتباتنا الثقافية .
ممن كتبوا عن شعره د . عبد اللطيف السحرني , وعبد المنعم خفاجي .
ـ من أعماله :
لهب 1945 في سعير المعركة 1957 أغان لفلسطين 1980 ألا تزورنا أيها الغضب – 1983- الوردة تعشق برعماً – 1985 – سيوف عربية 1985 – في نارنا يبرعم الزيتون 1992 .
—————-
اعداد :
رامية الملوحي