الوطن والحب والإنسان.. قصائد في شعر منذر لطفي تطفو حباً وجمالاً وسمواً


عندما يكتب الإنسان بكل ما لديه من جمال في التعبير وقوة في الوصف للوطن والحب والإنسان حتماً سيكون هذا الإنسان مليئاً بالتفاؤل والشغف والحب العميق الذي لا يفارق ولا يتلاشى بل يزداد توهجاً وسمواً، فقصائده في هذه المجموعة الشعرية ينبوع من صدق إيمانه بوطنه الذي ظلّ حاضراً في نفسه متعلقاً به .
الشاعر منذر لطفي في ديوانه الشعري ضمّ قصائد لها خصوصيتها الجمالية حيث وظف أجمل المعاني وأسماها. كما صبّ فيه تطلعاته وفكره وثقافته من خلال مناخه الروحي المرتبط بالعالم الخارجي من ظواهر اجتماعية وتاريخية ونفسية فراح يصور أبياتاً عن البطولات والأمجاد والتحدي والتصدي لغزو البلاد ،ففي قصيدته (وسام على صدر الفارس الشاعر)مهداة إلى الشاعر العربي والفارس أسامة بن منقذ المُشرّف في الدفاع عن الأرض العربية ضد الغزاة الفرنجة، قال :
تقدّم.. إن عزمك يعربي وجرّد..إن سيفك عبشميُّ
صمودك يا أسامة لايجارى وشعرك يا بن منقذ بابليُّ
عهدتك في الوغى بطلاً..قوياً شديد البأس..يخشاك القويُّ
نرى في أبيات القصيدة ألفاظاً مثل (الفرنج،أفاميا،الصليب،القدس،دمشق،شيزر) مشيرة إلى المعارك التي خاضها الفارس الشاعر أسامة ضد الروم دفاعاً عن المدن العربية الاسلامية ،إضافة إلى كرمه وبطولاته وعلمه وشعره،نجد في نصه الأدبي الأسلوب الانشائي والخبري فكانت أدواته (المنادى، والأمر بغاية الطلب والاستفهام )بارزة في النص. نستعرض بيتين يقول :
“أسامة” ما أقول ..؟وأنت فينا -على الأيام- فذّ عبقريُّ
متى تنجاب عن وطني الليالي..؟ ويولد بدره الزاهي السّنيُّ
كثُرت الأساليب الخبرية في قصيدته جملاً وألفاظاً ،مثل (إنّ سيفك عبشميُّ )‘(إنّ عزمك يعربيُّ) كذلك تكرار لضمير(أنتِ)- في المقطع الشعري- إيقاعاً نغمياً ( تناغمياً)، موقظاً للدلالة، وباعثاً لحراكها الجمالي، ،فالشاعر وجد في هذا التكرار صورة من صور التلاحم والتضافر الفني في هذه القصيدة، ليدلل على إحساسه الغزلي الشفيف، وصوره الرومانسية ودلالة على التأكيد والتمجيد …نقتطف من أبياته مثل(فأنت بقومك “الأسد”)،(وأنت نظيره)،(وأنت النبع والألق الثّريُّ)،(أنت لنا الصّفيُّ)،(أنت بحمله الصدر الحريُّ)،(أنت الزهر،أنت الفارس،أنت الشاعر،أنت العليُّ).
ومن يقرأ قصائده للوطن يرى الجمال المتفرد في الفروسية ، حيث حملت القصائد مشهد الأطفال وشباب الانتفاضة الذين يصنعون ببطولاتهم وتضحياتهم نور الأمة الجديد، في قصيدتين له (وسام على صدر الفارس الشاعر)و(لوحتان مضيئتان على طريق الانتفاضة)
يتناول فيهما موقفاً من مواقف الفرسان في الحياة وكلها منحازة إلى قيم الجمال وهو الخلود يقول:
1- فدائي
فجاءة تشقق الجدار..!
وأزهرت براعم النهار
عن موسم يزفه الصغار
عن ثورة يبدعها الفتية والنّسوة والأحجار
تضيء ليل يأسنا أنوار
تحمل في مدارها الصمود
تنفخ فينا الروح ..والحياة..والوجود
ليورق الصباح من جديد
لتزهر الدُّفلى ..ويحيا الوطن المحتلُّ من جديد..!
لقد اختار الشاعر لطفي موضوع الجمال ليرى المتلقي النور في نصوصه غرضه الفخر،نرى نسيجا لغويا مشتبكا بشحنات انفعالية على نحو جمالي فالصور والمشاهد والمعاني العقلية في النص للقصيدتين تشير إلى إبداع الشاعر في اختياره لموضوعه ،فكل تقسيمة لأبياته موصولة بمحتواها الفخر والجمال، ولا تخلو أبياته من التشبيه والاطناب والاستعارة مما زاد نصه الشعري تألقاً جمالياً وتأثيراً نفسياً.
نستعرض بعضاً من أبياته في قصيدته(وسام على صدر الفارس الشاعر)يقول:
طلعت على ليالي القحط ضوءاً وغيماً..زانه مطر سخيُّ
وعطرت الخريف شذى نديّاً فعاد العطر..والزهر النّديُّ
عطاؤك يا “أسامة” لايجارى به نعم المجاور .. والقصيُّ

ختم القصيدة ببيت سيبقى دلالة على المستقبلية وبأن الفارس ستتحدث عنه الأجيال القادمة وستذكره.
أما القصائد للحب(الغزل) فنكتفي بواحدة ،في قصيدته (عيناك ياحبيبتي) استطلعها بتشبيه بليغ ولم يقف عند هذا التشبيه،بل تكرر أكثر من ثلاث مرات ليلعب دوراً حاسماً غايته استدرار الطاقات الموسيقية في الألفاظ، لوحظ انفعال الشاعر وتردد انفاسه في الصورة الشعرية والموسيقة الداخلية ،فجاء تكرار حرف الراء كاشفاً عن ماهية الحب نحو قوله(خمر، سحر ،بحر)
كذلك وجود التناغم بين حروف الهمس والجهر (حكاية،رفيقة،سور،مرفأ)
كما استوحى من جمال الطبيعة ألفاظاً ليكتمل نصه بجمال الصورة والمعنى ،يقول في نصه (عيناك يا حبيبتي) :
عيناك ياحبيبتي إشراقة الصباح
أغوص في بحرهما
أسكر من خمرهما
أعبُّ من سحرهما الأقداح
أغيب في حلم له مفاتن الأصيل
له أريج الواحة الوارفة النخيل
عيناك ياحبيبتي حكايتا أمل
حديقتا غزل

ختم ديوانه الشعري بقصائد للإنسان ومنها نجد إعجاب الشاعر منذر وحبه للشاعرين العربيين الخالدين البحتري والمعري
قصيدتان تحمل كل منهما أسمى معاني المدح والحب والاعجاب نذكر مطلع كل منهما،حيث يقول في قصيدته للبحتري:
بك الشعر الأصيل ..زها وطابا فما زلت الخمائل والملابا
ويقول في قصيدته للمعري:
“أبا العلاء” سلاماً أيها العلم يامن أضاء الدُّنى فكراً لمن قدموا
ولعل التشوق إلى الحياة النبيلة والقيم الإنسانية الفاضلة العظيمة جعل الشاعر يرسم ملامح الإنسان المثالي زماناً ومكاناً وتمجيده بالشعر ويعبر عن كل مايجول في ذاته من إعجاب وحب تجاه أي إنسان يراه الربيع كما رأى ذلك في البحتري والمعري، غلب على نصه الطابع الخبري للتأكيد والتعبير عن فكرته وعاطفته.
وفي قصيدة(أنا وغربتي والشعر)افتتحها بنداء للشعر ليخبره بأنه الضوء.. ولايحلو الزهر والثمر وليالي الأنس إلا بأجوائه ،فروح الشاعر معلقة ومتناغمة بالشعر حتى في غربته يرى فيه نوره القدسي والعبير،فكلمات الشاعر حين يبدع كلها درر من الحسن والفن والعرائس والعناقيد،فروحه ترقص فرحاً وسعادة عندما يلجأ إلى الشعر إلى عالم الجمال والجلال والبريق خاصة إذا كان مغترباً.يقول في قصيدته:
فالشعر أول أحلامي ..وآخرها وفي لياليه يحلو الأنس ..والسمر هو السنا والشذا..والسحروالوتر قد طاب في بحره الإبحار ..والسفر
لايبدع الشعر..إلا شاعر علم ولا”الضياءات”..إلا الشمس والقمر

المزيد...
آخر الأخبار