(دونكشوت وقلب الأم) للكاتبة لما عبدالله كربجها:دراسة تحليلية

 

ترمي هذه الدراسة الموجزة إلى إلقاء الأضواء النقدية على القصة المذكورة أعلاه التي جاءت ضمن مجموعة قصصية أسمتها الأديبة لما كربجها (دونكشوتيات:قصص ساخرة).
تفتتح القاصة لما كربجها قصتها هذه بتأكيد هناء عيش دونكشوت بين أحضان أمه الحنون (٩١)، إلا أن هناءة عيشه مع أمه لا تروق لرفاق السوء، فيدعونه إلى تناول نوع غريب من الدواء أطلقوا عليه اسم الدواء السحري الذي ينير العقول ويقوي الأبدان ويطرد الشيطان من القلوب.
يتبدى خداع تلك العصابة الإجرامية في ظلال وصف ذاك الدواء بأنه مفيد ويطرد الشيطان من الأفئدة. ويبلغ خداعهم أوجه حين يدعون دونكشوت للمشاركة معهم في تطهير البلاد وتحريرها من الأعداء (٩١).
وتجدر الإشارة إلى أن دونكشوت استسلم لتلك العصابة الإجرامية وأخذ يشاركهم حروبهم وغنائمهم(٩١)، لكن أمه الحنون كانت تحذره منهم وتحاول ثنيه عن المشاركة في معاركهم قائلة:
((الأخوة وإن اختلفوا لا يقتلون أو يسرقون بعضهم ياولدي. ص٩١)).
بيد أن دونكشوت يحاول إقناعها بأفكاره، لكن لا تستجيب له، فقرر طلب مشورة أصدقائه المجرمين، الذين أخبروه أن الشيطان استولى على فؤادها، فغدت أمّاً للأعداء الذين احتلوا البلاد، وأعطوه الدواء السحري ونصحوه بشق صدرها وإحضار قلبها المسكون بالشيطان لتطهيره، وإعادته إلى نقائه الأول.(٩١)
مامن شك أن توظيف الخطاب الديني المتمثل بالشيطان الرجيم، والسعي إلى تطهير قلب الأم وإعادته إلى نقائه الأول يؤكد أن لجوء تلك المنظمة الإجرامية إلى الخداع والزيف، اللذين يتجليان في ظلال ذلك الشراب السحري الذي يسلب اللب ويعطل فاعليته، وتسرد القاصة عملية خداع تلك العصابة وانتصارها على دونكشوت بقولها:
((وأشعل الدواء حماسة الفرسان في رأس دونكشوت، فامتطى فرسه وأسرع إلى أمه..ص٩٢))، وتمضي الأديبة لما كربجها قدماً فتصور أم دونكشوت في ظلال مشهد يمثل الأمومة الحقة، الأمومة التي تضم إلى حضنها الجميع، فتقول:
((وكانت تنتظره بذراعين مفتوحتين وقلب مشتاق.ص٩٢))
لكن دونكشوت لا يعبأ بشوق أمه إلى عناقه بفعل تأثير ذاك الدواء الذي يسلب اللب ويشل فاعليته، فيشق صدرها ويجتث قلبها وهي تنظر إليه ودموعها تختلط بدمائها وتقول:
((الأخوة لا يسفكون دماء بعضهم البعض، كلكم أبنائي ياولدي.ص٩٢))، ولكن هيهات هيهات! فدونكشوت لا يصغي إلى صوت أمه، الذي يبرز صوت الحق والضمير الحي، ويشد لجام فرسه والقلب في يده ليصل بسرعة إلى أصدقائه. ويقع دونكشوت أرضاً ويتدحرج قلب أمه أمامه، الذي أخذ يصرخ بصوت عال خوفاً عليه من الأذى(ص٩٢).
وتجدر الإشارة هنا إلى أن صوت قلب الأم النازف والصارخ له وقع خاص في نفس دونكشوت، إذ يجمد أمامه ويعيش لحظات صراع ذهني، يتساءل في أثنائه على لسان الكاتبة:
ماذا يفعل؟! هل ماقام به صواب أم خطأ؟! هل هو يحتاج للدواء السحري؟!
يالها من لحظات دراما نفسية مؤثرة، لا يقوى دونكشوت أمامها، ويتمظهر ضعفه في المشهد الذي ترسمه الكاتبة على النحو الآتي:
وارتمى دونكشوت أرضاً متمرغاً بتراب تشرب دماء قلب أمه، والقلب مازال يصرخ:
كلكم أبنائي…كلكم أبنائي…
أجل، إنها الأم التي تمثل الوطن الذي يضم في كنفه جميع أبنائه، فيحميهم ويرعاهم، ويجدر التأكيد هنا إلى أن عبارتي كلكم أبنائي المكررتين إشارة جلية على انتصار صوت الحق والضمير الحي، الذي تختتم به القاصة قصتها الوطنية هذه:
لا تعبثوا بالوطن وبحياة أبنائه وممتلكاتهم، فالوطن للجميع..الوطن للجميع..الوطن للجميع..
بقلم الدكتور الياس خلف

المزيد...
آخر الأخبار