في إحدى الصباحات الربيعية المشمسة استيقظ وسيم باكراً و خرج من البناء الذي يقيم فيه . .
لقد اشتاق لحارته لبيت أهله الذي غادره سكانه منذ زمن . وصل للحي الذي أحبه . استرجع ملامحه التي نسيها على الطرقات و بين الحوانيت و الأشجار المزروعة على الأرصفة توقف عند صديق له يبيع ألبسة أطفال . سلم عليه و استقبله صديقه بحفاوة ..
_ استاذ وسيم .. تفضل منذ زمن لم أرك .. تفضل اجلس . لفت نظره طفلة مع والدتها تمسح دموعها قال لها :
_ ما اسمك يا حلوة .. و ماهي مشكلتك .. ؟ هيا حدثيني من بدايتها و أنا أستمع لك بإصغاء يا صغيرة ..
_ أنا اسمي ( سورية ) و عمري / 9 / سنوات في الصف الرابع .
_ سورية اسم جميل .. !
أمي رفعت ورقة التقويم . و بكت .. بكت كثيراً.. سألتها :
_ لماذا بكيتِ أمي .. ؟
لم لم تجب .. أخذت الورقة من يدها قرأتها ( عيد الأضحى ) اقترب . لكن أين والدي !! . ليس معنا كان والدي يفرح معنا بالعيد قبل استشهاده .
_ والدك شهيد ؟
أجابته أمها .. أجل .. استشهد في مهمة عسكرية ..
ذهبت مع أمي بالأمس إلى السوق و مررنا قرب هذا المحل شاهدت أثواباً جميلة معلقة .. أحببت ثوباً جميلاً يناسبني أمي رفضت شراءه .. لأن ثمنه مرتفع لا يناسبنا . هكذا قالت لي أمي .. كان حلمي أن ألبس ثوباً جديداً في العيد .. إنه جميل جداً ما أحلاه .
في اليوم الثاني مررت أنا و رفيقتي إلى هنا و شاهدت الثوب قالت لي بتعجب :
_ سورية هذا الثوب ما أحلاه .
ثم دخلت أنا و هي لنسأل البائع لأنها قالت لي سوف أساعدك بثمنه عندي في ( الحصالة ) مبلغ ادخرته ..
التفتت إلى البائع ، و بعذوبة البراءة كلها ..
أشارت إليه .. كان ( عمو ) يسمع حديثنا .. قال لي :
_ ماذا تريدين صغيرتي .. ؟
أشرت إلى الثوب و سألته ما سعره . رد علينا ببساطة . مئتان و خمسون ألفاً فقط .. قالت رفيقتي تعالي نمشي ..
تابعت حديثها و هي تشير إلى البائع و قالت :
_ ضحك ( عمو ) و قال :
سوف أخفض لكم سعره أرسلي والدك .
_ أجبته و أنا أبكي ..
_ والدي شهيد
_ أين بيتكم ..
_ ليس لدينا بيت .. نقيم عند جدي ..
إذاً أحضري أمك ..
قاطعتها أمها ..
_ عادت إلي ّ و هي تبكي من أجل الثوب ضممتها إلى صدري ثم مسحت لها دموعها و قلت لها :
رغم الغلاء الذي لا يطاق سوف أذهب معك لعل البائع يقسط لنا ثمنه و ها نحن أتينا لعندك ..
ابتسم البائع و أخرج الثوب من الواجهة و نظر للطفلة و سألها :
_ ما اسمك يا حلوة . هيا امسحي دموعك ..
_ أنا اسمي ( سورية ) والدي أسماني ( سورية ) لأنه يحب وطنه كثيراً .
_ ما أجمل اسمك و ما أحلاك ..
وضع الثوب في العلبة و قبل أن يغلفها اقترب وسيم و أخذ العلبة . و وضع مبلغاً من المال و سلم على والدتها و قال لها :
_ أكملي ما يحتاجه الصغار على العيد .
غلف البائع العلبة بغلاف جميل و كتب عليها :
هذه هديتك ( سورية ) لعيد الأضحى و كل عام و بلدنا الحبيب سورية بألف خير ثم التفت للطفلة الذكية و قال لها :
إلبسيه يا ابنتي ليفرح والدك الشهيد .. فالشهيد حيٌ لا يموت أبداً .
▪︎رامية الملوحي