المشكلة عند من ﻻ يميز الخاطرة من الشعر، ويصر على تسمية ما تجود به قريحته الواهنة والرخوة شعراً. ويدعي أنها قصيدة نثر، وينسى، أو ربما لا يعرف أن كتابة مايسمى بقصيدة النثر ليست بالسهولة التي يظنها، فهي لتستحق اسمها بحاجة إلى موهبة وثقافة وتمكن من اﻷدوات، وﻻسيما التمكن من اللغة، إلى جانب خيال خﻻق، وقدرة على بناء الصور وتوليفها لتشكل بنية متماسكة، ﻻ أن تكون مجرد صور مدهشة لكنها متشظية ومبعثرة ﻻ رابط بينها ﻻ فنياً وﻻ منطقياً . وقد قلت مرة إن كاتب ما يسمى بقصيدة النثر ينبغي أن يتقن عملية المونتاج إلى أبعد الحدود، ليكون نصه مدهشاً وممتعاً ومتماسكاً فنياً. وثمة أمر أود أن يعرفه الجميع يقول: ليس من شأن القارئ تشجيع غير الموهوبين والبغاث، فمن يريد أن يكون شاعرا عليه أن يحسن تقديم نفسه. نعم قد تكون بعض المواهب لينة في البداية لكنها مبشرة. وآخرون بينهم وبين الشعر مسافات تقاس بالسنين الضوئية، وهؤﻻء ﻻيرجى منهم أي خير ، بل وﻻ ممن سيأتي من أصﻻبهم حتى أجيال عديدة ( كما تهكم الجاحظ مرة ). والملفت في أمر هؤﻻء أنهم ﻻ يتورعون عن تزيين أسمائهم بلقب الشاعر فﻻن أو الشاعرة فﻻنة، وينسون أن هذه الصفة الجليلة ﻻ يدعيها صاحبها ادعاءً، وإنما يخلعها اﻵخرون على من يستحق من أصحاب المواهب. هل رأيتم شاعرا معترفاً بشاعريته يضع قبل اسمه هذه الصفة.
راتب الحلاق