من البداهة أن نفرح ونصفّق بمحبة لكلّ تجربة شابة غضّة نديّة، ونعد ذلك من المهمات الأدبية الأخلاقية البدهية التي من الواجب توافرها لدى كل معنيّ بالشأن الإبداعي الأدبي، إذ ستذكر في إثرها ما كنا عليه آنذاك من براءة مفعمة بالحياء، وكيف أن أساتذةً كباراً التفتوا بعين المحبة والإعجاب إلينا وإلى حروفنا الطرية الخجولة…
هذا على الصعيد الفردي، أما على الصعيد المؤسساتي، فذلك يستدعي التوسع قليلاً، ولا سيّما أننا أبناء مؤسسات مهمة جداً اشتغلت في مرحلة ما على الأخذ بأيدينا، ووضعت إمكاناتها في سبيل صقل تجاربنا وتطويرها عبر دورات ومعسكرات وفعاليات جمعتنا وأبناء جيلنا مع أساتذة وأدباء لهم ما لهم من تجارب ثرّة.
مؤسسات كانت تعمل بطاقات تعكس رؤى وتطلعات تليق بنا وبالطفولة واليفاعة، مؤسسات كان لها اليد البيضاء في حملنا والمضي بنا تجاه دروب تطفح بالجمال وبالبهاء، مؤسسات وضعت بين أيدينا ما من شأنه التحفيز والاشتغال على مفرداتنا وقواميسنا المتواضعة، فكان لها الفضل علينا جميعاً دون استثناء، لا على أدباء وكتاب اليوم فحسب، بل على كل طبيب ومهندس ومقاتل ومزارع ومدير ووزير…
من منا يستطيع أن ينسى معسكرات طلائع البعث وتلك الأجواء التي عشنا فيها ومعها أجمل اللحظات، فكان لها الفضل في زرع مفردات جديدة وقيم ومثل نقية؟
من منا ينسى اتحاد شبيبة الثورة ومعسكراته ودورها في الكشف عن المواهب الشابة (أدب – شعر – موسيقا – فن…)، ومن ثم إقامة دورات للأدباء الشباب ومعسكرات ترفيهية ورحلات؟
وبعدها في التعليم الجامعي والمهرجانات الشعرية السنوية التي خرّجت في منابرها أهم الأسماء التي تشغل مشهدنا الثقافي اليوم.
ولا ننسى وزارة الثقافة، وإحدى أهم هيئاتها: “الهيئة العامة السورية للكتاب” التي أخذت على عاتقها، لا بل من بداهة عملها ومسؤولياتها، النهوض بالمشهد الثقافي السوري، فعملت على التأسيس الجيد لجيل يقرأ ويكتب ويبدع، وذلك عبر غالبية مديرياتها، وأخصُّ منها الآن: مديرية منشورات الطفل، وما يصدر عنها من سلاسل ودوريات طفلية، مثل مجلّتَيْ أسامة وشامة، والكتب التي تُعنى بأدب الطفل… هذه المديرية التي تُصدر أهم ما يُنشر ويُطبع في عالم الطفل، ومما لفتني من إصداراتها سلسلة أطفال مبدعون، وهي عبارة عن قصة يكتبها طفل، ويرسمها طفل آخر، وتصدر في كتيب أنيق شائق، إضافة إلى إصدارها سلسلة كُتب تُعنى بالفتيان، مثل مكتبة الطفولة، وأعلام ومبدعون…
ولننتقل بعد ذلك إلى مؤسسة ثقافية لا تقل أهمية عن وزارة الثقافة، ألا وهي اتحاد الكتاب العرب، هذه المؤسسة العريقة بتاريخها وبأسماء كتابها ومثقفيها، التي تعمل متعاونة مع المؤسسات ذات الصلة للوصول إلى مشهد ثقافي سوري أصيل.
نعم، اتحاد الكتاب العرب عمل ويعمل على الاهتمام أيضاً بالمواهب الشابة والتجارب الغضة عبر إقامة مسابقات أدبية على مستويات عدة، ومن ثم نشر نتاجهم الجديد في صفحات تُعنى بالأدباء الشباب، والعمل على إشراكهم في فعاليات هنا وهناك، وطبع إبداعاتهم أيضاً وتوزيعها.
ختاماً، لا بد من القول إن تنشئة جيل جديد مبدع والاهتمام به والأخذ بيده ووضعه على الطريق الصحيح هو الضمان الوحيد والأكيد لوصولنا إلى الهدف الإنساني الأهم الذي ربما لم نستطع أن نصل إليه.
طريق الإبداع ماتع وطويل، ولا بد من دماء جديدة ندفع بها لضمان بقاء شعلة الإبداع متقدة.
لا بد من الشباب، من إبداعاتهم، فمكانهم الطبيعي هو البيت السوري الثقافي الأصيل: وزارة الثقافة – اتحاد الكتاب العرب…
عباس حيروقة