حبيب الإبراهيم
مع قدوم فصل الخريف ،ثمّة مشاعر تنداح دونما استئذان …وثمّة ذكريات خالدة لا تمحوها الأيام ، مشاعر يختلط فيها الفرح مع الحزن .. الفرح الذي يتوزع أفئدة التلاميذ وهم يحتفون على طريقتهم بإفتتاح المدارس ، وبدء العام الدراسي الجديد ، وعودة الحياة إلى مدارسنا التي اشتاقت للطلبة وصخبهم ،مرحهم ولهوهم ، اشتاقت للمعلمين وهم يوزعون المحبة والمعرفة في عقول الطلاب ويزرعون في نفوسهم حب الوطن والتضحية في سبيل عزته وكرامته .
على عجل جمع الصيف فضاءاته الرحبة وبدأ يُعد العدة للرحيل ، كل شيء بدأ يتغير .. الطقس ، الأشجار…سلوك الناس ..حركات الناس .. ومع كل صباح تداعبنا فيروز بإغنياتها الرقيقة معلنة ان ايلول جاء بورقه الأصفر وهو يتناثر بحرية تحت الشبابيك ،فيروز رفيقة الصباحات الندية ، معلنة صباحات العمل…صباحات العطاء ..
..أما الذكريات لا يخبو بريقها أبداً …فهي جليّة واضحة يعتمرها شوق وحنين ُ لمقاعد الدراسة ورفاق الدرب ، درب العلم والمعرفة … مهما توالت الأعوام وانقضت السنوات.. يظل للمدرسة بمختلف جوانبها وعوالمها وهجها الذي لاينطفىء أبداً … في الخريف…في أيلول يتماهى الفرح مع الأمل ليشكلا لوحة جميلة قل ّ نظيرها .. فرح ٌ بعودة الطلبة والتلاميذ إلى مقاعد الدراسة وهم يحملون في عقولهم وأفئدتهم أحلاماًنبيلة تشكل بوابات الفرح والجمال لمستقبل ننتظره بكل المحبة وألق الحياة ..مع أيلول والمدرسة تبدو الحياة أجمل وأبهى ، فتدبّ الحيوية والحركة في الباحات …الساحات …الطرقات …قاعات الصف …
يتغير نوعا ً ما نمط الحياة التقليدية .. الأطفال يستيقظون باكرا ً مع زقزقة العصافير ، حقائبهم تعتلي الأكتاف ، الأمهات يحرصن على تهيئة الأطفال الصغار مع عرائس الزيت والزعتر .. المدرسة حياة جديدة ومتجددة ليس للطلاب فقط إنما لكل أبناء المجتمع ، حيث يكاد لا يخلو بيت أو أسرة على إمتداد ساحة الوطن من تلميذ ٍ أو طالب والهدف واحد ، هدف ٌ نبيل يتمثل بالعلم وبناء الإنسان الصالح القوي بفكره وعقله والمحب لوطنه الذي يشكل بالنسبة لأي مواطن قدس الأقداس .. عندما يلملم الصيف أيامه الأخيرة تبدأ دورة الحياة الجديدة ، حياة المدرسة بكل تفاصيلها ، فالشوق للأقران يعتمر النفوس والقلوب ، الشوق للعلم والتفوق والتميز هو أولوية لكل طالب ٍ مجد ٍ مثابر … تتناغم أصوات الطلبة في صفوفهم مع أصوات المعلمين الذين نذروا أنفسهم لغاية سامية نبيلة ألا وهي بناء الإنسان … فالمعلمون كما وصفهم القائد المؤسس حافظ الأسد ( بُناة ٌ حقيقيون لأنهم يبنون الإنسان والإنسان هو غاية الحياة ومنطلق الحياة ..)
أجل إنه أيلول نتذكر أيامه ونتذكر مع فيروز أوراقه الصفراء وهي تتطاير في الأزقة وتحت الشبابيك ومن خلاله توجه طلبتنا إلى مدارسهم في مطلعه حاملين معهم المحبة والشوق للعلم والمعرفة ، ومع إطلالة كل صباح وتحت راية الوطن يرددون نشيده الخالد حُماة الديار عليكم سلام ……
فهنيئا ً للطلبة والمعلمين والمدرسين وكل أبناء الوطن بافتتاح العام الدراسي الذي نراه عاما ً يستحق أن نوليه كل اهتمامٍ ورعاية لأن في قطاره فلذة أكبادنا الذين نرى من خلالهم وطننا عزيزا ً قويا ً منيعا ً يزدهر بالعلم ويتزنر بالمحبة والتضحية والفداء .
إن المؤسسة التربوية بكل مكوناتها تثبت اليوم بتوجه ملايين التلاميذ والطلاب إلى مدارسهم، قدرتها على تجاوز الأزمة وآثار الحرب الكونية على سورية ،ومواجهة التحديات بالعزم والإرادة والتصميم على تحقيق الأهداف النبيلة ونشر فكر المحبة والتسامح وحب الحياة…
مع إفتتاح المدارس نتوجه بالتحية لكل العاملين في الحقل التربوي الذين شكلوا الجيش الرديف لقواتنا المسلحة الباسلة التي دحرت الإرهاب والفكر التكفيري الظلامي وأعادت الأمن والآمان لربوع الوطن …
مع إفتتاح المدارس تتجدد الأماني ،وتكبر الطموحات..نمضي معاًفي مسيرة البناء والإعمار ..بناء سورية المتجددة …سورية الوطن والإنسان…