القطَّارة.. والبحر !

 

   بعض التصريحات الرسمية تثير الاستغراب ، وخاصة التي تبرر تخفيض مخصصات المواطنين من المشتقات النفطية وبطء توزيعها لهم أو التأخر به  ،  إلى قلة المتاح ، وضعف الإمكانات  ،  وضآلة الوارد  وصعوبة بلوغه البلد  !.

  وكل  كلام  في  هذا  المنحى  التبريري   ،  يدحضه  بالدليل  القاطع  ،  توافر  المازوت  والغاز  والبنزين  بالسوق  السوداء  !.

  فأنت  اليوم  ـــ وفي  عز  الأزمة  الخانقة  يمكنك  أن  تشتري  أيَّ كمية تريدها من مازوت التدفئة  ،  أو  الصناعي  ،  أو  الزراعي  ،  ومن  الغاز  المنزلي  ،  والبنزين  ،  إذا كنت قادرًا ماليًّا  ،  وعلى دفع 3500 ليرة للتر  المازوت   ،  و4500 للتر  البنزين  ،  وما بين 50 ـ 120 ألف ليرة لأسطوانة  الغاز   !..

  والأمر  لا يحتاج  منك إلى جهد  كبير  للحصول  على  مبتغاك  من تلك المشتقات  ،  ولا للبحث الطويل أو المضني بمحطات المحروقات أو لدى موزعي الغاز  ،   بل  يكفي أن  تنشر  “بوستًا”  بصفحتك الشخصية  على الفيس بوك  ،  تعلن فيه حاجتك لشراء  ما تريد من تلك المشتقات  وبالسعر الذي يحدده البائع  ،  حتى تنهال عليك العروض  ،  وتصلك الكميات التي تتفق مع بائعها عليها  ،  إلى عقر دارك أو سطح منزلك  ،  أو  أرض مزرعتك  ،  أو  حقلك أو منشأتك  الصناعية  !.

  بل يكفي أن تجول على المحال التي تتاجر بالمشتقات النفطية  ، في مدينتك أو قريتك ، أو على الطرقات العامة  ، والمعروفة للقاصي والداني  ،  لتملأ خزان سيارتك  ، أو “دبو” دراجتك النارية.

  إذاً  ، الأزمة ليست فقط أزمة شح الوارد والمتاح من تلك المشتقات  ، ولا ضعف بالإمكانات المتوافرة  ، وإنما هي ايضا ،  أزمة فساد تتعلق بهذه المواد المغرية للفساد ، عبر المتاجرة بها وجني أرباح فاحشة منها، على حساب مقدرات البلاد والعباد.

  فاحسبوا كم تجني شبكات الفساد من بيع لتر المازوت بـ 3500 ليرة  ، بدلًا من 500 ليرة سعره الرسمي  ، ومن بيع لتر البنزين بـ 4500 ليرة بدلًا من 750  ليرة  ، وأسطوانة الغاز  المنزلي  بـ  50 ـ 120 ألف  ليرة  ،  وعندها ستعرفون لماذا هذه المواد تخصص بـ” القطارة ”  للمواطن في الأقنية  الرسمية  ،  أو  شحيحة التوزيع بموجب البطاقة الالكترونية   ، بينما هي “بحر” في السوق السوداء  !.

               محمد أحمد خبازي

المزيد...
آخر الأخبار