زكريا ابراهيم المحمود
ذاكرة خضراء لواسع القش -ومريم كانت تهز جذوع القمح عند أول ابتسام الفجر،وقبل أن تغطي الشمس بيدها-تنثر عطر القمح وترضعني أرغفة تنور مقمرة، وتهدهدني …. وسادتي سنبلة وغطائي كف مريم عابقا برائحة القمح وعطر السنابل.
– وكان القمح أخضر … تخاصره الريح، فيتثنى ويرتعش الأفق لرقص السنابل، فتغدو الأرض والسماء والشمس امتدادا شاسعا للأخضر الممتد بين الجفن والجفن.
-وغفوت في عبق سنبلة ورأيت فيما يراه النائم:
آلاف المناجل حاقدة شامتة تكشر عن حد يقطر دما…..كان الأخضر ذبيحا وعطر القمح مبتور الأصابع….
– أفقت ..ذهلت ..كانت الأصابع تقطر دما..تتناثر على امتداد شاسع للقش وفي ذهول الوجع صرخت:
ياااا مريم…..
– وكانت مريم تلم الأصابع ،تعيدها إلى عبقها…تعيد القمح إلى سنابله والرغيف إلى عبقه.
وعلى امتداد الحنين كانت السنابل تهمس لنسائم صبح وتترنم منادية مريم:
“رواحي خيتي عالحصاد رواحي”
-وتبتسم مريم-تبتسم طويلا ..كثيرا..ومن ابتسامة مريم تضوع رائحة رغيف عابق بالدفء ويتدفق عطر حنين ينسرب في أزقة الروح المتعبة وفي تثني السنابل- وينداح على امتداد الأخضر الممتد بين النبض والنبض.
وعلى امتداد الأفق:
– شامخات السنابل يمتلئن فوق الامتلاء ويشمخن عاليا فوق الشموخ.
زكريا ابراهيم المحمود