كانت سيارة «اللاندروفر » والعائدة لتربية الرقة تتجه بنا إلى قرية «الدحل» إلى الشمال من مدينة الرصافة الأثرية «جنوب بلدة المنصورة ب20كم »، كان ذلك عام 1982 انزلنا صديقي وجاري وزميلي الأستاذ حسن سعيد ،واتجهنا من الرصافة،إلى قرية « شعيب البس » حيث تم تعييني معلماً فيها، لا يوجد في القرية مدرسة من قبل، كانت مهمتنا إحداث مدرسة في القرية ، تحاورنا مع المختار وتناقشنا دونما نتيجة وتعذر تأمين غرفة للمدرسة، كانت وجهتنا إلى الجنوب من بادية الرصافة حيث قرية «الخالدية » ،بيوت قليلة، متناثرة وسط بادية واسعة،مقفرة، ،مترامية الأطراف ،الحرارة مرتفعة، الغبار يتسلل إلى داخل السيارة بالرغم من إحكام النوافذ والابواب .
بعد مسير لساعات توقفت السيارة أمام بيت ترابي، وما ان ترجلنا ، رحب بنا صاحب البيت ايّما ترحيب ،وبعد السلام والاطمنان عن الصحة والأحوال، دعانا لتناول الفطور….. شاي وسمن ذائب وجبنة ….
« لقد عيّنا لكم معلماً في القرية » بهذه الكلمات بدأ الموجه التربوي إبراهيم اسحق حديثه لصاحب المنزل واضاف: الأستاذ حبيب من المعلمين الجيدين وأتمنى أن تهتموا به وتؤمنوا له ما يحتاج …
سلّمني الأستاذ إبراهيم خاتم المدرسة ،ودّعني متمنياً لي النجاح في مهمتي.
كانت «الخالدية » قرية بسيطة، بيوتها قليلة، متناثرة وسط بادية تمتد حتى جبل البشري، كان شعوراً غريباً انتابني ، حاولت التغلب عليه ،في المساء اجتمع معظم رجال القرية وشبابها ليسهروا مع الاستاذ، بعد تناول العشاء وشرب الشاي تنوعت الأحاديث حول إحداث المدرسة وتامين غرفة وتسجيل التلاميذ وغيرها من تفاصيل …إضافة إلى أحاديث الفلاحة والزراعة وتربية المواشي …
في الصباح تم جمع دفاتر العائلة لإحصاء عدد التلاميذ حيث تم جمعهم في غرفة مبنية من لبن التراب ومسقوفة بالخشب ، جلس الأطفال على حصير مهترىء، دونت الأسماء وطلبت من صاحب المنزل إبلاغ من هم خارج القرية بالعودة ،كما طلبت منه أن يوصلني بالجرار إلى الرصافة حيث صديقي الأستاذ حسن والذي عُيّن في قرية « الدحل » ،وكان قد وصل للتو من قرية «شعيب البس » حيث وعد مختارها تأمين غرفة للمدرسة، واتفقنا سوية على الذهاب يوم السبت إلى الرقة من أجل متابعة الإحداث، وتغيير التعيين وإجراء ما يلزم
*حبيب الإبراهيم