مالذي يمكن ان يقوله الشعر و الفكر و النثر و الفن في تصوير دفء وحميمية وحقيقة النظرات او الشهقات او اللمسات او النبضات الأخيرة التي تصلك من ابيك الممدد على فراشه وهو يشد لآخر مرة بقبضة يده التفور نورا وينابيعا واقمارا على يدك النحيلة التائهة الشريدة ؟؟؟
الى اي مدى يمكن ان ينجح الشعر بخاصة ومظاهر الابداع بعامة وان يكون وفيا للحظة الفصل ؟؟
كتبت الكثير الكثير من الشعر والقص والمقال والبحث و..و..
ولكن ان اكتب عن آخر شهقات ابي الذي توفاه الله بين يدي طاهرا نقيا رضيا راضيا مرضيا فآخال ان اللغة تضيق وأن المكان يضيق يضيق
أبي الذي كرمني الله بأن أكون آخر صورة اغمض عينيه عليها وان اكون آخر من أطعمه ..وآخر من سقاه وآخر من مسح على جبينه وآخر من ضمه الى صدره وآخر من قلم اظافره وآخر ..وآخر
أبي الذي في سنواته القليلة الأخيرة لاسيما اشهرها كان طفلي المدلل المدلل ..ولاخفف عنه شيئا من الآلام كنت أغني له ..اقص عليه بعض قصص الناس واحوالها ..
اقشر له بعض الفواكة واقطعها واطعمه بيدي فيفر من قلبي الف سرب عصافير لبعض رضى من عينيه..لبعض دعاء
احرض عنده طاقاته الكامنة ليحدثنا عن تلك الأيام وعلاقاته برموز ذاك الزمان( فؤاد فقرو ) انموذجا فينسى مرضه وتعود ذاكرته متقدة نشطة ..
ابي الطفل الكبير الكبير يبكي لأضعف الأسباب لاسيما حين امسك بيده واضمه يبكي بكاء طفل مقهور مقهور..يا الله كم كان يحتاج من حنان وكم يفيض حنانا ..
كان طفلي المدلل المدلل فكم مددت يده ..فردت له اصابعها والعب معه تلك اللعبة التي كنا نلعبها مع اطفالنا ..افرد اصابعه واردد على مسمعه : ياباح ياباح
ياورق التفاح
هون في جورة المي
اجا العصفور شربا وراح ..
فامسك خنصر يده اولا لانتقل الى كامل اصابعه واقول :
هي مسكتو ..وهي دبحتو ..وهي نافتو ..وهي طبختو ..
الى ان امسك سبابته واقول : وهي صاحت يا بابا جيب الخواشيق ناكل شحم ولحم ..
الله الله يا ابا منهل كم كانت ضحكتك حينها تدخل الى قلبي اقمار وشموس وهواء الله النظيف ..
كان ابي يضحك كالف طفل معا
ابي الذي في السماء
ابي الذي في الارض
كنت أعي ما تحمله في قلبك من وحشة واحزان لذلك كان برنامجي اليومي معك ولك ما استطعت ..
واحمد الله ..حتى يبلغ الحمد منتهاه لأنه كرمني بك ..
بدفء يدك التي تورثني السكينة لألف عام ..
لن اكتب الآن عن امجادك في تلك ..عن تعبك ونضالك ..عن هيبتك وشموخك وعزتك لأن ذلك يحتاج ويتسع لمجلدات ..
ولكن حاولت ان اكتب عن آخر نظراتك لي ..شهقتك ..وأعلم انني لم انجح إلا بدرجة من الف ..
لمن ساغني بعد يومي هذا يا ابي ..؟؟
من سيسأل عني حين سفر ..؟؟
من سيوصيني بأن لا اتاخر ..
من سيقول لولدي اتصل بابيك واسأل اين هو..؟؟
من سيوصيني بان ازور واتفقد حال اخوتي حين سفري الى دمشق ؟؟
لمن ..امن يا ابا منهل؟؟
لمن سازف خبر صدور مجموعتي الشعرية القادمة واقرا في عينيه من فرح مالم ولن أقرأه في عيني مخلوق على وجه الارض؟؟
لمن سآخذ ضيوفي _ مباهاة بك _ لأعرفهم عليك ..؟؟
من سيقول لي بذات اللهجة والنبرة انك اخطأت هنا ..وهنا أصبت .. ؟؟
من ..من يا ابي ؟؟
أبي ..يا ابي ..
صوتك باق في اذني وانت تنادي باسمي ..وانت تحدثني ..وانت تضحك ..تبكي .
فراقك سيزيدني ضعفا وغربة واغترابا
فقدك سيزيدني ضياعا ووحشة وقهرا
أبي الذي في السماء
ابي الذي في الأرض
سلام الله عليك ..
سلام الله على روحك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
عباس حيروقة