لم يكن ينقص مصفاة حياتنا سوى هذا الثقب ، ونعني بالمصفاة الغلاء الفاحش الذي ( نرفلُ ) به ونسرح ونمرح !. ونقصد بالثقب الجديد ( غلاء الأدوية ) الطارئ المستجد ، الذي عصف بالمرضى منَّا عصفاً شديداً ، فاقم المرض وزاد الوجع ورفع نسبة الألم في الدم رفعاً مقيتاً ، بحيث صار من الصعوبة معالجة أي مريض حالياً بحبة تحت اللسان ، أو بزرقه حقنة وريدية للتعايش مع الأسعار الجديدة للأدوية التي ارتفعت أسعارها مانسبته 60 إلى 500 بالمئة ، أو بمده بجرعة أوكسجين للتأقلم مع مرضه بهذا الظرف الطارئ . وفي هذه المسألة الحيوية المصيرية الكبرى للمرضى ، جميع المعنيين بها يتقاذفون التهمة ، الصيدلاني الذي لا يقبل بهامش الربح المحدد رسمياً – ونظنه 20 بالمئة – من قيمة أي دواء ، يصيح ويلوم مستودعات الأدوية ، ومستودعات الأدوية تصيح أيضاً وتعتب على الشركات المصنِّعة للأدوية التي رفعت أسعار منتجاتها – ومعظمها ضعيف الفاعلية بالأساس – وخفضت توزيع مخصصاتها للنصف ، وشركات الأدوية تصيح وتصيح أيضاً في ظل ارتفاع سعر صرف القطع الأجنبي ، وشح تمويلها من المصرف المركزي لاستيراد المواد الداخلة بتركيب الدواء ، وتلوم وزارة الصحة لعدم دعمها ، وهو – كما تتدعي – ما جعلها تسرِّح العديد من العاملين لديها ، فيما أغلق بعضها أبوابه ، وأما وزارة الصحة فهي بحاجة إلى إنعاش لما تعانيه من صدمات متنوعة بقطاعها العام !. وبالطبع ، في كل هذه المعمعة ، المواطن هو الضحية الوحيدة وهو الخاسر الأكبر ، فكل الجهات التي ذكرناها أعلاه تسترد تكاليف إنتاجها منه ، وتعوِّض خسائرها من مرضه ، فهي لاتنتج ولا تبيع بخسارة وليس من المنطقي أن تفعل ذلك ، وليس مطلوباً منها. فمن حقها أن تعمل بظروف جيدة، وأن تنتج وتوفر الدواء للمرضى بسعر مناسب ، ولكن شريطة أن يكون الدواء فعَّالاً ولا يرغم المريض على شراء ثلاث علب بدلاً من واحدة كي يتحسن قليلاً ، ومن حقها أن تربح ولكن الربح المنطقي فهي تاجر أولاً وأخيراً ، ومن حق الصيدلاني أن يربح أيضاً ، ولكن ليس ذلك الربح الذي يجلط المريض !. الآن دعونا نقول : إذا كان السبب في كل هذه المعمعة ، قانون سيزر أو بالأحرى جريمة سيزر ، فمن البدهي أن تتحمل كل جهة مسؤوليتها بالتعاطي مع هذا السيزر بخطة ممنهجة للتخفيف من آثاره ومنعكساته ، على حياة الناس كل الناس وليس المرضى فقط ، فهو ليس سراً و إقراره لم يكن مفاجئاً ، ونتائجه لم تكن مجهولة !. وبالتأكيد ليس صائباً ، غياب الخطط البديلة التي تخفف آلام الناس وأوجاع المرضى ، ولا جائزاً أن نترك المواطن وحده بهذه المعمعة ونقول له : فاذهب أنت وربك فقاتلا إنَّا ههنا قاعدون !.
محمد أحمد خبازي