ثمّةَ اتفاقٌ لا لبسَ فيه بين مختلفِ الدياناتِ والشرائعِ والمعتقداتِ و الإيديولوجياتِ والنزعاتِ الفكريةِ والفلسفيةِ وحتى المثولوجية و..الخ على أهمية الثقافة , المعرفة , العقل , الفكر , المنطق , الفضيلة , الأخلاق … وغيرها من طاقات يختزنها الإنسان الفعّال في كنهه ليفيض بها على مفردات الزمان والمكان , ليجسّد الدور الذي خصّه الله به كسيد للمخلوقات في بناء عالمٍ أكثر أمنا وجمالاً وحياة , عالمٍ يسوده المحبّة والرخاء , عالم يرفل بالسعادة للكل وبالكل.. السعادة التي تخالطها اللذة بحسب رأي أرسطو في مؤلفه ( علم الأخلاق ) جرّاء العلم والسعي في طلبه فللعلم لذة وسعادة , وفي السعي أيضاً لذة كبيرة . فيعتقد بأن (( اللذة يجب أن تخالط السعادة . ومن بين الأفعال المطابقة للفضيلة أيها يلذ لنا ويرضينا أكثر هو , وباعتراف جميع الناس , تعاطي الحكمة والعلم.اللذات التي تجلبها الفلسفة يظهر إذن أنها عجيبة بطهارتها وبكونها مؤكدة. وهذا السبب في أن العلم سعادة أكثر ألف مرة من طلب العلم . )) من هنا يمكن لنا أن نردد ونعيد مع فيلسوفنا ونسال كيف ومتى يمكننا تحقيق هذه السعادة الممزوجة باللذة من العقل والحكمة والعلم , وكم مضى من الزمن … من اشتغال العقل بكل مغامراته بدءاً من وقوفه في سالف العصور السحيقة ـ والممتدة إلى عشرات الآلاف من السنين بحسب آراء الاختصاصيين ـ على قدميه متأملا الشمس والقمر والريح والبرق والرعد ليعيش بعدها حالات الرعب والخوف والعجز أمامها , عاش حالات الموات الحقيقي ليقف من جديد بأسئلته الكبرى أمام نفسه , أمام دموعه وحزنه, و لينأى بأطرافه إلى غاباته وإلى كهوفه ليتركها تعبّر عن تلك الأعاصير التي عصفت بعقله وبقلبه ؛ تارة بالعدو وتارة بالرقص وصولاً إلى استخدامه الشابكة ودخول عوالم النت , مروراً بحالتة الرعوية والتدجين (الحيوان والنبات ) وسكنه الكهوف و الرسم على جدرانها ومن ثمّ استقلاله وخروجه إلى المسكن الطيني الخاص وبدء رحلة الاختراعات والاكتشافات متجاوزين تعدادها والتي تعكس حيوية العقل ألبدئي إلى مرحلة بناء الحضارات الكنعانية والسومرية والبابلية والآرامية ..الخ دون ترتيبها زمكانياً في تلك الآونة كان الإنسان العربي قد تبلورت لغته , وتنامت وتطورت ككائنٍ حيٍّ طبيعي وسط أجواء صحيّة تعكس نمو ملكاته , تلك الحضارات المنتشرة بين بلاد الشام وبلاد الرافدين ووادي النيل.. نعم بدأت وبدأ الكلام نتيجة تنامي العقل ومغامراته كما قلنا ومنه ستتمثل وتمثّلت فعلاً بالكتابة وفق تعبير أرسطو في أن الكلام تمثيلٌ للخبرات العقلية , والكتابة تمثيلٌ للكلام ..
عباس حيروقة