بمناسبة يوم عيد اللغة العربية

 

عباس حيروقة

 

ما تمتعت به لغتنا العربية من بلاغة وفصاحة وطلاقة وسلاسة ومرونة , ومن بذخ في المعنى وفي المبنى المفرداتي , إضافة إلى ذاك الكم الهائل من الاشتقاقات والمترادفات ..من الأسماء والأفعال والحروف ..الخ مكنتها وما تزال من أن تحيا بكامل حيويتها وبهائها بين نظيراتها من اللغات الأخرى ..لا بل وترفل نورا وضوءاً وذلك لامتداداتها التاريخية أيضاً التي عكست وتعكس حضارة ورقيّاً وأصالة كيف لا وهي كما وصفها أهل الاختصاص بأنها لغة متصرفة .
المتأمل لحراك لغتنا الأم اللغة العربية يُدركُ ما مرّت به من أطوار وأدوار من الرقيّ والتنامي والتطور على أيدي أبنائها الخلّص الميامين من كتّاب وأدباء وشعراء وفلاسفة وفقهاء لغة ونحو وصرف ..فبرّوا بها كأم حنون رءوف ..
وكما يدرك أيضا ما مرت به من وهن وضعف وما ألحق بها من غبن وحيف على أيدي أعداء العقل والفكر والروح والجمال وذلك عقب ما الحق بأبنائها ..بأهلها حين خضوعهم لغير استعمار غاشم و لحقب ليست بالقصيرة .
عاشت لغتنا العربية ما عاشه أبناؤها من وهن وضعف وتشرد وتشرذم وتجلّى ذلك حين محاولة الاستعمار فرض لغته على أبناء وطننا كلغة رسمية ..إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل وذلك لإصرار الأبناء على التمسك بلغتهم من جهة ومن جهة ثانية قدرة اللغة على استيعاب ذاك الكم الهائل من مفردات اللغات الأخرى مع قدرتها أيضاً على المحافظة على متانتها وحيويتها وفتوتها ..
والمتتبع لقاموسنا اللغوي يُدرك كم أخذت لغتنا من اللغات الأخرى كالفارسية واليونانية والتركية والعبرانية والحبشية وحتى من السنسكريتية .
كما أعطت كل لغات العالم , والمتتبع أيضا لمفردات اللغات الأخرى يدرك كم كنزت في تلا فيفها من لآليء لغتنا الأم ..لغتنا العربية .
كل هذا يعكس الطاقة الحيوية الإبداعية للغة العربية والعلاقة الخاصة والحميمية بينها وبين أبنائها .
لغةٌ لها مالها من سمات تجعلنا نباهي ونفاخر بحيويتها وحضورها المبهر زمكانياً..لغةٌ لها مالها من سمات تجعلها أيضا من أهم لغات الأرض كيف لا وهي أم اللغات ..فالأرض برقمها الطينية المكتشفة هنا وهناك تؤكد للقاصي والداني بأن العربية كلغة هي الأم ..وهي الحاضنة والحاملة لكل مقومات النهوض والاستمرار والتجديد والحيوية لما تكنزه كما قلنا سابقا من بذخ وافر من المفردات والمعاني والتراكيب والألفاظ و الاشتقاقات ..من اسم وفعل وحرف ..
لغتنا العابقة بالوهج النوراني ..المضرجة مفرداتها وأحرفها بكلام الله خالق الخلق المسطر في التوراة وفي الإنجيل وفي القرآن .والتي كما قلنا مرت بمراحل وأطوار وادوار حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من اكتمال ونضوج وتبلور .
في ضوء كل هذا وذاك وبمناسبة احياء يوم اللغة العربية أو الاحتفال بيوم عيدها كم علينا أن نطرح وبكل جرأة وثقة تلك الأسئلة الكبرى عن مستقبل لغتنا العربية بعد الإمعان مطولاً في قراءة مفردات واقعها وواقع أبنائها وما يعتريهم من ضعف وهزل ويلحق بهم من عواصف زعزعت كيانهم , فاللغة تصمد وتكبر وتتعافى بصمود وشموخ وصحة متحدثيها .
لأن موات اللغة في تركها ..إهمالها ..ازدرائها من قبل أبنائها ..موات اللغة يتأتى من أسباب ومسببات عدة لسنا بصدد تعدادها ولكن قلنا غير مرة إن اللغة تخضع لناموس التطور والارتقاء كما تخضع لناموس الموات والاندثار ..فكم من لغة لا بل من لغات اندثرت بموات قومها وكم من لغة تزعزعت وترهلت وأصابها الوهن والاعتلال بتزعزع وتهدل وضعف وسقم قومها.

المزيد...
آخر الأخبار