شاركت وعلى مدى ربع قرن تقريبا في العديد من الفعاليات الثقافية على امتداد الجغرافية السورية سواء في أمسيات ومهرجانات شعرية أو ندوات ومحاضرات أدبية أو نقدية وكما شاركت في مؤتمرات عديدة وكُرّمت من غير جهة ثقافية فكان لبعض تلك الفعاليات الصدى و الأثر الكبير في النفس وشغلت الحيز الجميل في الذاكرة والقلب وأسست لعلاقات جديدة خاصة مع أصدقاء أصبحوا من مفردات حياتي الأجمل ويمكن لي أن اذكر من تلك الفعاليات على سبيل المثال : ( الرحلة النهرية السنوية التي كانت تقيمها جمعية ماري للثقافة والفنون في الرقة تحت عنوان من توتول الى ماري _ مهرجان الشعر السوري في القامشلي _ مهرجان رابطة الخريجين والجامعيين في حمص _ مهرجانات ومؤتمرات اتحاد الكتاب العرب _ مهرجان الدكتور وجيهةالبارودي السنوي …الخ )
نعم كنا وما زلنا نقطع المسافات الطوال في سبيل أن نلتقي بمن نحب أو نؤسس ونعزز ثقافة المحبة والسلام والجمال التي تليق بأبناء القمح والماء والياسمين من أبناء سوريتنا النور
وكانت كل فعالية من هذا المقام تعتبر تجربة جديدة لي أقرأ معالمها ومفرداتها بحساسية مغايرة تمكنني أو مكنتني من الوصول الى أكبر عدد من النوافذ التي أطل من خلالها على عوالم جديدة باذخة مترفة شكلت قيمة مضافة لي ومدّتني بطاقات وحيوية استطعت عبرها أن أصبح أكثر قدرة على الحياة والحب والكتابة
اسوق هذه المقدمة للحديث عن آخر فعالية شاركت فيها لهذا العام وكانت بالنسبة لي تجربة جديدة بمفردات جديدة من حيث المكان وأبناء المكان ومفرداته المغايرة لكل ما سبق من فعاليات ..
اسوق هذه المقدمة للحديث عن مشاركتي ومنذ أيام قليلة في لقاء أدبي شعري حواري مع نزلاء في سجن عدرا للرجال أولا ومن ثم لقاء آخر مع نزلاء من النساء.
قد يبدو هذا مستهجنا وغريبا بعض الشيء لدى البعض ولكن أقول: لطالما لم أتردد في تلبية اية دعوة ثقافية ومن اية جهة وتحت اي عنوان لاسيما في سنوات الحرب وذلك لايماني المطلق بالكلمة ودورها بضرورة بناء او التاسيس لثقافة الحوار وتقبل الآراء كلها تحت سقف البناء والمحبة السلام ..فكيف لا ألبي دعوة وجّهت لي من المركز الثقافي في سجن عدرا للرجال والنساء ؟؟
هذا اللقاء حقيقة أعتبره من أهم مشاركاتي إن لم أقل الأهم كون الجهة المستهدفة هي اناس عانوا ما عانوه من البعد والفراق والهجر عن العائلة والأهل والأبناء..هم ضحية في النهاية لسياسات اسروية ومجتمعية ومؤسساتية .لن اتوسع في شرح اسباب وتداعيات دخولهم الى هذا المكان ولكن هم في النهاية ضحية ونتخمل نحن جميعا مسؤولية وصولهم الى ذاك المكان وانوّه الى أن كلامي هذا ينطبق على جميع نزلاء سجون العالم لا على من التقيتهم وحسب.
أعود للحديث عن الفعالية ..حقيقة ادهشني ما رايت وما استمعت له آنذاك
ثمة مركز ثقافي في السجن نعم مشكورة وزارة الثقافة على لفتتها هذه
.وثمة مكتبة ضخمة تضم مختلف الفنون والآداب وأيضا يوجد مسرحا وفرقة مسرحية وموسيقية و..و..الخ
شاركت بمجموعة قصائد وبمضامين مختلفة وكان الحوار هو الأجمل شارك به نزلاء بلغة سليمة وبلاغة..وايضا استمعت لبعض المشاركات والكتابات لبعض النزلاء فكانت قصائد شعر حقيقي بلغة وعواطف اخالها اكثر صدقا ونبلا من كثير مما نستمع له من على منابرنا الثقافية ..
نزلاء من شرائح ثقافية تعليمية عدة شاء القدر ان تكون هنا لا هناك لأسباب لا تتعلق بروح اجرامية ما ولكن لأسباب لسنا في وارد ذكرها وقد نكون نحن في لحظة ما بينهم..
استمعت لتجارب شعرية ناصجة ولبعض المواهب الأخرى ( الغناء ) مثلا
وايضا هذا ينطبق على ما شاهدته في سجن النساء ..ثمة نزيلات موهوبات ( شعر _ خط _ اعمال يدوية ..الخ) اضافة لوجود كما في سجن الرجال مكتبة ضخمة ..
بعد ان عرفت منهم ماعرفته عن برنامجهم اليومي ثمة جملة عفوية قلتها لهم في سياق حوارنا الأخوي العفوي وكان لها الأثر والقبول الطيب اصحكتنا جميعا ..قلت
هل اقول لكم شيئا وبصراحة …أنتم هنا حقيقة أكثر سعادة وهناء وراحة بال لأسباب عدة أهمها أنكم لاتعانون من أزمة كهرباء ولا ماء ولا محروقات..ولا لديكم هواجس تأمين قوت يومكم ..
نحن سجناء الحياة يا أخوتي وأنتم ..أنتم أحرارها.
ختماما : لاشك وكما في كل سجون العالم ثمة خارجون عن القانون من قتلة وتجار ومخدرات ونصابين و. .الخ لابد من ان ينالوا عقابهم ولكن ما لفتني حقيقة هذا الاهتمام بشانهم العام من ثقافة وبناء و..الخ وهذا يستحق منا التقدير
وهي مناسبة أتوجه فيها الى وزارة الثقافة واتحاد الكتاب العرب لافتا إلى ضرورة إيلاء هذا المكان وساكنيه الإهتمام الأكبر من خلال رفده بالكتب واعتباره منبرا نطل من خلاله نحن كأدباء على فئة جد هامة لاتقل أهمية عن الجامعات وغيرها ..
شكرا ادارة مركز ثقافي السجن لأنها اتاحت لي ان أطل على تلك الشريحة المهمة جدا لأنهم غدا او بعد غد هم خارج هذا المكان ..هم بيننا ..جيراننا ..أبناء حارتنا ..وأخواتنا
عباس حيروقة