كنتُ أودُّ معايدة أشقائي في التعتير والأمل والإنسانية ، بمناسبة العام الجديد ، في هذه الزاوية الأخيرة لي التي تتزامن مع نهاية سنة آفلة ، وبداية سنة جديدة ، ولكن حقيقةً صدمني خبرُ ضبط مديرية التجارة الداخلية مؤخراً ، تلاعب مخبز حماة الأول بـ 74 ألف ربطة خبز خلال تشرين الثاني الماضي فقط ، فأجلتُ المعايدة لوقت آخر ، تكون الروحُ فيه أكثر هدوءًا من روع الصدمة ، وميَّالةً للحب والفرح ، وبمنأى عن الاستياء من الفساد والفاسدين.
لذلك دعونا الآن نسأل أين كانت الجهات الرقابية والمعنية في المخابز ، عندما كان القائمون على ذلك المخبز يتلاعبون بكل تلك الكمية من ربطات الخبز ، التي هي لقمة المواطن وأسرته ؟.
فلو كانت ثمَّة متابعة ورقابة مباشرة ومستمرة ، لعمل ذلك المخبز ، لما حصل ماحصل ، إذ من شأن المتابعة الاطلاع والمعرفة ، ومن شأن الرقابة المستمرة تحصين العمل من الخطأ ، وحماية القائمين به من وسوسات شيطان الفساد ، ومن سوء الإهمال والتراخي وغض الطرف.
فرقابة الجهات الأعلى للأدنى منها ، تشعرها أن عملها تحت النظر ، والضوء الكاشف لكل شطط أو خلل ، ومن ثم تحميها من منزلقات الفساد إن فكرت به.
وبالطبع ، غياب الرقابة والمتابعة والمحاسبة ، هو ما يؤدي لتلك النتيجة ، وقد يكون التلاعب بخبز الناس أحد منعكسات ذلك الغياب.
وآملُ فعلاً ألَّا تُحمَّلَ مسؤوليةُ التلاعب بتلك الآلاف المؤلفة من ربطات الخبز ، لعامل فقير بالمخبز المذكور ، أو لرئيس وردية كبش فداء ، أو لمديره كدريئة توجه إليها سهام الفساد ، وينتهي الموضوع هنا ، لتتكرر عملية التلاعب بمخبز آخر ، وقد تكررت سابقًا ، إذ سبق للتجارة الداخلية أن ضبطت غير مرة تلاعبًا من هذا النوع ، ولكن بكميات أقل !.
وهو ما يعني أن الإدارة العامة للسورية للمخابز ، والفرعية بالمحافظة ، بعيدة عن مخابزها ، ورقابتها بوادٍ آخر ، وإن حضرت بوادي المخابز فهي شكلية ، تحضر وتغادر محمّلة بربطات الخبز ذات الأرغفة الجيدة التي تُنتقى لها انتقاءً عن الساحب !.
وباعتقادنا ، المحاسبة ينبغي أن تكون للكبير قبل الصغير ، كونه المسؤول ، إذ ليس من المنطقي أن يكون المسؤول الكبير مسؤولًا فقط ، عند استلام المكافآت والتعويضات والمزايا والمكاسب ، وعند المحاسبة والتغريم يحاسب الصغير ويغرَّم !.
محمد أحمد خبازي