ما تسمعُه في طفولتك يبقى عالقاً في الذاكرة من الصعب أن يُمحا .
تكبرُ يضيقُ الحاضرُ بكَ لا يتجاوزُ مكوثَ ما تسمعُه لحظةً في الذاكرة .
تتذكرُ بيتَ شعرٍ لامرئ القيس سمِعْتَه في طفولتك (اليوم خمرٌ وغداً أمر ) ترددُه في كلِّ مناسبة ،وتنسى بيتَ شعرٍ سمعتَه قبلَ أيامٍ في حفلةٍ شعبيةٍ.
لا تنسى عيدَ رأسِ السنةِ الشرقي تُشعلُ البخورَ ابتهاجاً ، بينما تنسى قميصَكَ معلقاً تحت المطر، وتذهبُ إلى النهار دون خجلٍ من عريّك.
تتذكرُ المعلمَ الأول ،تنسى مدرسَ الفيزياء.
كم أنتَ بارعٌ في التذكرِ ، في النسيان !!
تنتعلُ حذاءك فردةً بنية ،والأخرى سوداء
كي لا تنسى أن تمرَّ على الإسكافي لترميم السوداء .
تلبسُ عباءةَ الفرو في الصيف كي لا تنسى أن تُخزنَ ما تيسّرَ من دفئه ، وحين يأتي الشتاء تنسى أنَّ لديكَ عباءة .
كم أنتَ بارعٌ في التّذكّرٍ ، في النسيان!
تقولُ رغمَ كلِّ ما مرَّ بك ، ومررتَ به:
مازلتُ على الدرجة الرابعة ،فكيف أتحدثُ
عن الخامسة ، ولم أبلغها بعد !!
تحبُ الفلسفة ،وكونفوشيوس ترددُ قوله (لو بلغني الطاو صباحاً فلا أسفَ لي على الموتِ مساء)
فتقومُ من فراغِك ، وقد استيقظتْ دودةُ المطالعة في ذاكرتك ينهمرُ شوقُك على سجادة انشغالك بترهاتِ الأمور .
تقول :
سأطالعُ ما يطلعُ أمامي أبراجَكم العاجية ، القمرية ، لونَ زجاجاتِ العطر المشلوحةِ تحت المرايا ، بريقَ عيون الأطفالِ في آخر يوم امتحاني ، لن أنسى أنوفَهم التي
احمرّت من البرد .
كما أني سأطالعُ قاماتِ النرجس ، وعصا الراعي .
تنسى أن تطالعَ مبراةَ الحديد ،تتذكرُ أن تطالعَ الممحاةَ السحرية .
كم أنت بارعٌ في التذكّرِ ، في النسيان!!!
تَقلُبُ على ظهرك ، تَعُدُّ النجومَ تختفي النجوم تعدُّ الغيماتِ تختفي تعدُّ الطيورَ تختفي تعدُّ السراب يختفي. تعدّ أصابعكَ تختفي.
تقفُ على رأسك يختفي على قدميك تختفي تتلاشى في الجو تصير غباراً .
طفلٌ كبيرٌ أنت تُقدّم الامتحانَ تلو الامتحان ، يحمرُّ أنفُكَ من صقيعِ الأسئلة ، تبري عصا الراعي تهشُّ على الماء .
تتذكرُ ، تنسى
كم أنت بارعٌ في التّذكّرِ ، في النسيان!!
نصرة ابراهيم