هذه الأيام الطافحة بالمطر وبالبرد وبالريح ..تعيدني بكل غماماتها وعصافيرها البردانة الى تلك الأيام المعبأة بموسيقى المزاريب و السواقي والأنهار وبألحان مطر يسّاقط فوق وريقات أشجار الدور..وحينا يقرع بشغب حنون نوافذ بيوتاتنا المحصنة من الخارج ب (النايلون) ..
هذه الأيام التي تحمر فيها وجوهنا واطرافنا وتيبس دمعاتنا على خدودنا الغضة فتتشقق..
كنا وما زلنا لانعبأ بنسمات لابل بريح الشمال المحملة بنتف ثلج نخرج نتحسسها بأنامل من فرح وأناشيد وضحكات تحاكي بياض الله الممتد الى أقاصي القلوب …
ثلج ودروب وأساطيح وتلال وصوت شلال مهيب من جهة الغرب .. تراتيل أمي وقداديسها وهي تستقبل خيرات الله بوجهها النبوي وبيدين من ضوء ونور وهي تفتح ساقية هنا وهناك ليعبر الماء شمالا تجاه الكروم وهي تقول (شوفوا ما احلا هالدنيا ..الله يبعت الخير )
هي الأيام أيام كوانين نعيشها بكل مواقيتها الماتعة..نتلقف مفرداتها بشوق وشغف لاسيما الصباحات منها فتسكننا تلك الدهشة التي ما غادرتنا بعد ..
أيام المطر الغزير الغزير الذي جاء غير مرة بطوفان غير رحيم يفسد ويخرب ويدمر وسط قهقهات الرعد ومؤازرة البرق بيوتا وأراضي ومزروعات وقطعان ماشية ..طوفان يجرف أمامه بكل قساوة ما جمعته الناس طوال أشهر صيف مرير..
إنه الشتاء بكل مفرداته الماتعة حينا والقاسية احيانا . شتاء الأعياد ( الميلاد _ رأس السنة الميلادية _ البربارة وما ادراك ما البربارة وما طقوسها التي تعكس تعلق الإنسان بأمه االأرض وبخيراتها وبكينونته الحق _ …الخ
شتاء (المربعينية) وما يتخذه الإنسان من حيطة لدرء قساوتها ..شتاء الخماسين بكل (سعوداته ) سعد دبح _ سعد بلع _ سعد السعود _ سعد الخبايا ) وما ينسج حول كل منها من اقاويل وحكايا
شتاءات القرص عنة والخبيزة والدردار والحرت منة والرشاد والقرة والجرجير والفطر ودهشة لا بل بهجة قطافه حين رحلة البحث عنه..
شتاءات الطوافيح والفخاخ والعصافير البردانة الباحثة عن حبات قمح في جوار البيوت وداخلها..
شتاءات عطلة الربيع او العطلة الانتصافية وما تحمله من فرح وبهجة والعاب ( المفتش والحرامي _ البريه _ السبع جور _ القواميع _ حدي مدي _ عمي الشيخ _
الكلول والعابه الخاصة به ( المور ) انموذجا…الخ من العاب كانت آنذاك عن الف الف موبايل وما فيه من العاب وتسالي
شتاءات النرجس ..هذه النبتة ..الوردة .. الزهرة
الاستثناء لنتفكر مليا بها ..بانبجاسها وانبثاقها من بصلة مهملة في الأرض لسنة كاملة كيف لها في شهري كانون الأول والثاني أن تؤول إلى ماهي عليه من اخضرار يانع وزهر اصفر مذهل ورائحة طيبة ماتعة ..
هذه البصلة الكامنة في التربة طوال ربيع وصيف وخريف وتمر سواقي الصيف من قربها وفوقها ولا تنبت البتة..الا في كوانين ..
النرجس الذي قيل فيه الكثير الكثير من الشعر وما يحضرني الآن لامية الشاعر ابن الوردي والتي يقول فيها :
لاتقل أصلي وفصلي إنما
أصل الفتى ما قد حصل
إنما الورد من الشوك وما
ينبت النرجس إلا من بصل
وأيضا تحضرني تلك الأبيات التي تغنينا بها وغنيناها :
اطلقت اغنامي ترعى وتجترّ
والزنبق النامي للفجر يفترّ
النرجس النعسان من سهرة الأمس
قد أطبق الأجفان خوفا من الشمس
هذا بعض بعض ماكنا عليه من فرح تلك الأيام وشقاوتها ..تلك الأيام البسيطة البسيطة التي كانت المحبة هي المفردة الأساس والأهم والتي أنتجت جيلا آخاله ناجحا وصادقا ومنتميا بحق .
عباس حيروقة