اسندت رأسي على ظهر مقعد كنت أجلس عليه في إحدى القاعات المخصصة لإلقاء المحاضرات والأمسيات الأدبية .
سرحت بعيداً بأفكاري ونظري بقي مركزاً على شخص عريف الحفل الذي جهد في إظهار مواهبه ومقدراته وبراعته في ذاك المجال الذي لا يمكن أن يصل إليه أحد أياً كان وكان قبل أن يبدأ ذاك العريف المفوه الكلام جالساً على مقعده بشيء من التميز، وما إن بدأ بوصفه حتى بدأ ينتفخ وينتفخ حتى باتت القاعة على وسعها لا تستطيع احتوائه لدرجة أحسسنا كلنا بأننا بتنا ننظر إليه عالياً وهو يرتفع كبالون ضخم وبنفس الوقت شعرنا بأن نظراته لنا صارت نظرات استعلاء .
بدأ محاضرته الفذة ومن عمقها وسعتها وامتلائها بالأفكار التي باتت تتقافذ من بين أسنانه كذكور نحل طاردتها العاملات ،وبدأ الطنين والرنين والشد على مخارج الحروف التي باتت عاجزة عن إيصال ضالته وكل ذلك وذاك العريف الضليع بعمله ينغمس أكثر وأكثر في كرسيه لدرجة صار وكأن لسان حاله يقول : ليتني مت قبل يومي هذا .
شرّق بنا الخطيب وغرّب وصعد عالياً ونزل بسرعة وبدأ الدوران بكلامه حتى صارت أفكاره كشعر فتاة شعثاء شقية عفرت نفسها بالتراب وفاجأها المطر وهي عائدة .
عدت من سرحاني في هذا على متن نبرة عالية أطلقها وهو يقول شكراً – هل من سؤال .
مرَّ من الوقت بعضه ولم يقم أي من الحضور بالسؤال عندها قال : شكراً . أرجو أن أكون قد أفدتكم .
خرجنا ونحن ننظر إلى بعضنا ولسان حالنا يقول .
أين كنا؟ .
مراد داؤد