في أواسط خمسينيات ، وأوائل ستينيات .. القرن المنصرم ، كنا تلاميذاً في مدرسة نور الدين الشهيد الابتدائية ، التي شيد بناؤها الأثري في محلة جورة حوا بحماة ، وكنا في غدونا ورواحنا نمر بمبنى قديم ، كائن في طرف قصي من ساحة ( جورة حوا ) المترامية الأطراف ، وذلك قبيل الدخول إلى أحد فروع سوق الطويل ( المنصورية ) ، الذي يحتضن اللحام والبقال والعشي وبائع الحمص وصباب القطايف والسيالات …. الخ ، والذي ينتهي عند الساحة المذكورة آنفاً ( مكان المبنى المذكور يوافق تقريباً الطرف المقابل لمكتب جريدة الفداء القديم ) …
لم يكن قد بقي من هذا المبنى في ذلك الوقت ، إلا أطلال كئيبة : جدران متداعية وأبواب مفتوحة ونوافذ لايسترها شيء ، أما السقف فقد كان مفقوداً تماماً ، والأرض قد نالها مانالها من نوائب الدهر وكوارث الزمان ..
كنا نتساءل ونحن صغار ، عن سر هذا المبنى المهجور ، وكان الفضول الطفولي يدفعنا الى الإلحاح في معرفة الجواب ، ومن ثم اكتشاف الغموض الذي يكتنفه ، وكان الجواب الذي يرضي تساؤلنا : أن هذا المبنى كان مقهى يرتاده ضباط وجنود الانتداب الفرنسي ، في الفترة التي كانت فيها فرنسا تهيمن على وطننا العزيز ، بخاصة أن هنالك كتابات باللغة الفرنسية منقوشة على جدرانه .. وعلى مايبدو أن المقهى قد تم هجره ، وإهماله ، والاستغناء عنه، بعد جلاء القوات الفرنسية عن سورية عام ١٩٤٦ ..
طبعاً المبنى قد هدم بكامله فيما بعد ، وحل مكانه كتل معمارية جديدة ، كما هدمت مدرستنا القديمة أيضاً ، وتبعها بالتدريج الكثير من الأبنية والدكاكين التي كانت قائمة في أيامنا ، وأقيمت مبان ومخازن وأكشاك عشوائية هنا وهناك ، أي إن الطبيعة الهندسية لهذه الساحة الأثرية ، قد انقلبت مع الأسف الشديد رأساً على عقب !!.
ولكن الأسئلة التي تطرح نفسها هنا : ماحقيقة ذلك المقهى ، ولماذا شيد في ذلك المكان المنعزل ، ولماذا كان الفرنسيون يجتمعون فيه وسط هذه الأحياء المتداخلة والأزقة الضيقة، ولماذا لم يرد ذكره في مدونات الكثيرين ممن أرخوا لمدينة حماة الغالية ، وهل معلومتنا كانت صحيحة ، أي إنه كان مقهى فعلاً أم كان خلاف ذلك ؟؟!.
أسئلة كثيرة وكثيرة تدور في مخيلتي ، والجواب مازال محجوباً بالنسبة لي، والتوسع في هذا الموضوع متاح للجميع .
دز موفق أبو طوق