الإنسان هذا الكائن المهيب

 إن المتأملَ لهذا الإنسان العظيم ..هذا المخلوق الربّاني وما يكتنزه من حيوية وطاقات دفعته بجدارة لأن يكونَ تماماً كما شاء له باريه خليفته على هذه الأرض الطافحة بالنور وبالظلمة ..بالخير وبالشّر بالحبّ والجمال والسلام والإيمان كما هي تماما طافحة بالكره والحقد والقبح والكفر وآتون الحروب..الله والأرض والإنسان وهذا السرمد الأزلي الأبدي..
إن المتأملَ لهذا الإنسان وما خلّفه من حضارات هنا وهناك و قدرته العجيبة على الكلام ..على الكتابة ..على الرسم والرقص وممارسة كلّ أنواع الفن والإبداع والخلق لا تدعونا كثيراً للدّهشة بل للإيمان بأنه قام ويقوم بالدور المنوط له وبه من إعمار هذه الأرض , وما من دليل أو مثال حاضر قد نورده هنا عن حيويته وذهنيته المتقدة أوضح من اللغة هذا الفيض الربّاني المهيب ..
القدرة على الكلام وما سبقها من مخاضات عسيرة حينا ويسيرة أحيانا أنتجت إشارات وعبارات ورمزاً ومرموزاً وتلميحاً وتصريحاً إلى أن آلت ما آلت إليه من نضوج فكان الحرف وكانت الكلمة ببهاء حروفها ترسم على جدران الكهوف و تنقش على رقم طينية ومن ثم على جلود الحيوانات فورق البردة إلى أن آلت ما آلت إليه أو عليه من رسم على شاشة الحاسب, فنجد كلمة من حرفين وحسب (حب ) مثلاً قابلة للتداول والعبور و الانتقال في جميع أصقاع المعمورة حاملة وناشرة ذات المعنى عينه في وجيب قلوب العباد قاطبة..
كان الرسم والنقش و الحرف وكانت الكلمة .. اللغة ببهاء حروفها وجمال تناسقها الأخّاذ ورموزها وإشاراتها ..وكانت الأداة والوسيلة المعرفية الأساس والأهم لهذا الإنسان العظيم لأنها الناقل والحامل الموضوعي لفكره وثقافته وهويتة .
فكانت اللغة وكانت الثقافة.. اللغة وطرائق التعبير المرافقة لها ..و هذا الكم الهائل من المفردات ..من الأحرف ..وما تنشره من إيقاعات صوتية موسيقية (التنغيم ) ..من مدّ وتفخيم وترقيق ..من إدغام وإطلاق هذا ما عكس ويعكس وعيا مجتمعيا ونضوجا بلوره الحراك الإنساني الخلاّق .
هي ذي اللغة بدأت بمفردات معدودة وتطورت وتنامت وفق حراك اجتماعي معرفي أناسيّ ..والمتأمل لحال الإنسان البدائي الأول وعلاقاته مع اللغة يلحظ كَمْ من تقاطعات بينه وبين إنسان هذا اليوم أو الأمس , فنلحظ كيف يبدأ الإنسان بمراحله الأولى بالتعبير عن متطلباته وحاجياته النفسية والروحية من خلال الإشارة أولاً ثم من خلال انتقاله إلى الحالة الأكثر تطوراً وارتقاءً ألا وهي النطق فيبدأ بترجمة إشاراته التي عكست وتعكس حاجياته الروحية والجسدية والنفسية إلى مفردات صوتية ينطق بها ولو بالتقليد ومن الأمثلة المطروقة جداً عند أهل الاختصاص في هذا الحقل مثلاً أن الطفل إذا أراد إخبار أهله أن ثمة قطة دخلت إلى البيت فنراه يشير إلى مكان القطة ويقلد صوتها ..الخ .
ومن هنا يمكن أن تفكر بما تم طرحه طرح و تناوله حول نظرية النطق عند الإنسان الأول والمستندة إلى لغة الإشارة المبنية على محاكاة هذا الإنسان لأصواته الطبيعية المعبّرة عن انفعالاته وأصوات الحيوانات والأشياء الأخرى كأصوات الرعد والريح ..الخ

عباس حيروقة

المزيد...
آخر الأخبار