رحبت به مسلّماً :
أهلاً أستاذ ..
عفواً إذا سمحت : الدكتور .. وهذه بطاقتي كي لا تناديني بهذا اللقب من الآن فصاعداً .
وناولني بطاقة تحمل اسمه بجانب كلمة الدكتور .
وكنت أعرف أنه لم يغادر سورية ، ولم يكمل دراسته العالية في أية جامعة فيها ، لا ماجستير ولا دكتوراه .
ابتسمت وأنا أضع البطاقة في أحد جيوبي .
مساكين أولئك الذين لا يعرفون أن لقب أستاذ هو أعلى من لقب دكتور ، وأن الأستاذ الجامعي لا ينال لقب أستاذ إلا بعد سنوات خبرة ومجموعة مؤلفات .
وصارت مواقع التواصل الاجتماعي تتحفنا بصور شهادات الدكتوراه التي تمنحها جهات لا نعرف أين تقع ، ولم نسمع باسمها من قبل ، وكي لا أتجنى على أحد ، أسأل بعض أصدقائي فأنال الإجابة ذاتها .
وأذكر أنه قبل سنوات تزيد عن العشر ، قال لي صديق كنت أراه يتصفح كتاباً غريباً في غير اختصاصه ، أنه مضطر للسفر بعد فترة إلى بلد سمّاه لي حينها ، لاختبار بسيط ويحصل بعدها على شهادة الدكتوراه مقابل حفنة من الدولارات ، وسألته عن الجامعة ، فقال : لا .. هو مجرد مكتب صغير تحت اسم جامعة .
الآن لست بحاجة إلى سفر وقراءة كتاب أو دفع أي مبلغ ، إذ إنك وأنت في بيتك قابع خلف جهازك ( كمبيوتر أو خلوي ) ستنال شهادة الدكتوراه من مانح لا تعرفه لا جهات العلم ولا الثقافة والأدب ، وتصير تلح على القائمين على هذا المنبر أو ذاك أن يقدمك بلقب دكتور .
وأطرف ما جرى أن أحدهم جاءنا بضيافة عصر أحد الأيام إلى بهو أحد المنابر ، ولما سألنا ، قال : حصلنا على الدكتوراه ، فتحمس أحد الأصدقاء وسأل : من أية جامعة حصلت عليها ؟ فأجاب : من جامعة دمشق – كلية الآداب . ولأن ذاك الصديق شك في صحة الأمر ، استطاع التواصل مع الجامعة وتأكد أن لا أحد بهذا الاسم حصل على الدكتوراه أو حتى الماجستير وربما الإجازة الجامعية الأولى . ولما واجهه بالأمر قال : لا أنا لم أقل من جامعة دمشق ، هي من جامعة بيروت العربية ، وكان أن تأكد أيضاً وببعض الاستعانة بأصدقاء له هناك أن الأمر عار عن الصحة .
وكان أن قاطع صاحب الدكتوراه المزعومة المنبر المذكور ، بينما ظلت المنابر الأخرى تقدمه بعبارة الدكتور قبل لفظ اسمه .
وكنت إذا استعرضت أسماء بعض هؤلاء الذين أعلنوا عن نيل شهادة الدكتوراه ، أستغرب لأني أجدهم بعيدين كل البعد عن اختصاص أو مهمة نالوا عنها هذه الشهادة.
فمرحى لشهادات الدكتوراه التي ينالها طلابنا بعرق جبينهم ، بتعبهم وجدهم ، ومن جامعات رسمية محترمة ، بعد إعدادهم رسائل و أبحاث تناقش في الجامعة بحضور ومشاركة لجان تحكيم اختصاصية لا ترحم .
ونحن لا ننكر أيضاً أهمية شهادات الدكتوراه الفخرية التي تمنحها جهات علمية وثقافية وإنسانية محترمة ولأشخاص يستحقونها عن جدارة ، إما عن جهد كبير في مجال معين، أو مجموعة مؤلفات مهمة في هذا الجانب أو ذاك .
محمد عزوز