يقسم المواطنون القاطنون في حماة عموماً وعلى ضفتي العاصي خصوصاً ، أنهم يرون حشرات زاحفة وطائرة لم يروها قبلاً من حيثُ الحجم والشكل والأذى !.
وأنها تغزو منازلهم وتحرمهم السهر في فناءات منازلهم إن كانت عربية وفتح شبابيكها إن كانت طابقية ، وأن إيقاف ضخ المياه في سرير النهر بعد انتهاء مهرجان الربيع ، جعله بؤرة تلوث بالصرف غير الصحي ومجالاً حيوياً لتكاثر وانتشار تلك الحشرات العجيبة الغريبة التي تؤرِّقُ حياتهم اليوم .
وما يعاني منه أهالي عروس العاصي الفاتنة ، هو القاسم المشترك الأعظم لمعاناة المواطنين في بقية مناطق المحافظة ، من سلمية بشرقها إلى مصياف والغاب بغربها ، ومن صوران بريفها الشمالي إلى آخر قرية أو تجمع سكاني بريفها الجنوبي المأهول .
فالهمُّ واحدٌ والشكوى واحدةٌ من الانتشار غير الطبيعي للهوام وخصوصاً بالليل ، كونه يلحق الضوء وينشط بحركة دائبة على المصابيح ، ويتسلل إلى الغرف ويحط على الأجساد ويوسعها لسعاً ولدغاً وقرصاً، وبشكل خاص على أجساد الأطفال الفئة العمرية الأكثر ضعفاً والأقل مقاومةً له ولأذاه .
وقد ساهم النمو الفريد للأعشاب البرية في المدن والقرى أو خارجها على جوانب الطرقات العامة في هذا العام بتشكيل بيئة حاضنة لأسراب هذه الحشرات الطائرة والزاحفة ، الذي يمكن إضافته كسبب آخر لانتشارها – هذا الانتشار الكثيف – إلى الخلل الكبير في الإصحاح البيئي الذي هو السمة العامة للوحدات الإدارية، ولمعاناة مواطنيها الدائمة والمستمرة ، القديمة والجديدة بل المتجددة !.
حيث القمامة التي تتراكم في الشوارع والطرقات وأمام منازل الأهالي وبالمنصفات والجزر الطرقية ، والتي تفيض عن الحاويات وتنتشر بمحيطها وتتكدس ، وتعجز البلديات عن جمعها وترحيلها يومياً .
وحيث الصرف غير الصحي المكشوف الذي يتدفق في سرير العاصي ، وفي الكثير من القرى التي تفتقر لمشاريع الصرف الصحي، فيلجأ أهلوها إلى الحفر الفنية وماهي بفنية !.
و باعتقادنا ، السبب الرئيسي والأهم في مانراه من هذا الانتشار الكبير للحشرات، هو فشل الوحدات الإدارية بتحقيق النظافة العامة ، وتذرعها الدائم بقلة الإمكانات البشرية والمادية ، وشح الآليات والمعدات ، الأسطوانة المشروخة ذاتها التي يرددها رؤساء تلك الوحدات منذ سنوات طويلة حتى اليوم !.
ففي الوقت الذي نراها فيه تندب وتشكو وتلطم الخدود لضعف قدراتها بتحقيق شروط النظافة العامة ، نراها تهدر مواردها وريوع ممتلكاتها غير المستثمرة بالشكل الأمثل ، رغم كل التوجهات والتوجيهات الحكومية للإفادة القصوى منها وفق الأسعار الرائجة، واستثمار مداخيلها بما ينفع الناس !.
على كل حال ، ينبغي للوحدات الإدارية صغيرها وكبيرها اليوم وبسرعة قصوى، تنفيذ حملات دورية لرش مبيدات حشرية مكثفة وفعالة ، للقضاء على تلك الأصناف العديدة من الحشرات لتريح المواطنين من أخطارها وأذاها وأضرارها ، وذلك بالتوازي مع حملات نظافة عامة تُشرك بها المواطن بدلاً من أن تلومه وتلقي عليه أسباب التلوث البيئي ، وتقصيرها بتحقيق الإصحاح البيئي هذا التقصير الذي أمسى مرضاً مزمناً معنِّداً ومستحكماً بالعديد منها .
* محمد أحمد خبازي